معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

قوله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } أي : الاحتلام ، يريد الأحرار الذين بلغوا ، { فليستأذنوا } أي : يستأذنون في جميع الأوقات في الدخول عليكم ، { كما استأذن الذين من قبلهم } من الأحرار والكبار . وقيل : يعني الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى . { كذلك يبين الله لكم آياته } دلالاته . وقيل : أحكامه ، { والله عليم } بأمور خلقه ، { حكيم } بما دبر لهم . قال سعيد بن المسيب : يستأذن الرجل على أمه ، فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك . وسئل حذيفة : أيستأذن الرجل على والدته ؟ قال : نعم ، إن لم يفعل رأى منها ما يكره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

{ 59 ْ } { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ْ }

وهو إنزال المني يقظة أو مناما ، { فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : في سائر الأوقات ، والذين من قبلهم ، هم الذين ذكرهم الله بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ْ } الآية .

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ ْ } ويوضحها ، ويفصل أحكامها { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ }

وفي هاتين الآيتين فوائد ، منها : أن السيد وولي الصغير ، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد ، العلم والآداب الشرعية ، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ْ } الآية ، ولا يمكن ذلك ، إلا بالتعليم والتأديب ، ولقوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ْ }

ومنها : الأمر بحفظ العورات ، والاحتياط لذلك من كل وجه ، وأن المحل والمكان ، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه ، أنه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء ، ونحو ذلك .

ومنها : جواز كشف العورة لحاجة ، كالحاجة عند النوم ، وعند البول والغائط ، ونحو ذلك .

ومنها : أن المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار ، كما اعتادوا نوم الليل ، لأن الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة .

ومنها : أن الصغير الذي دون البلوغ ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة ، ولا يجوز أن ترى عورته ، لأن الله لم يأمر باستئذانهم ، إلا عن أمر ما يجوز .

ومنها : أن المملوك أيضا ، لا يجوز أن يرى عورة سيده ، كما أن سيده لا يجوز أن يرى عورته ، كما ذكرنا في الصغير .

ومنها : أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم ، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي ، أن يقرن بالحكم ، بيان مأخذه ووجهه ، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل ، لأن الله - لما بين الحكم المذكور- علله بقوله : { ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ْ }

ومنها : أن الصغير والعبد ، مخاطبان ، كما أن وليهما مخاطب لقوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ْ }

ومنها : أن ريق الصبي طاهر ، ولو كان بعد نجاسة ، كالقيء ، لقوله تعالى : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ْ } مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهرة : " إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات "

ومنها : جواز استخدام الإنسان من تحت يده ، من الأطفال على وجه معتاد ، لا يشق على الطفل لقوله : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ْ }

ومنها : أن الحكم المذكور المفصل ، إنما هو لما دون البلوغ ، فأما ما بعد البلوغ ، فليس إلا الاستئذان .

ومنها : أن البلوغ يحصل بالإنزال فكل حكم شرعي رتب على البلوغ ، حصل بالإنزال ، وهذا مجمع عليه ، وإنما الخلاف ، هل يحصل البلوغ بالسن ، أو الإنبات للعانة ، والله أعلم .