تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

بلوغ الأطفال :

{ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 59 ) } .

التفسير :

59 - وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ . . . الآية .

الحلم : وقت البلوغ والاحتلام ، والمراد : بلغوا حد العقل والتمييز ، أما الأولاد والبنات الذين لا تظهر في أجسادهم هذه التغييرات لسبب من الأسباب ، فيمكن أن يقدر لهم العمر الزمني للبلوغ ، وهو سن الخامسة عشرة على أرجح الأقوال .

لقد أذن الله للأطفال الصغار أن يدخلوا على آبائهم وأمهاتهم دون استئذان إلا في ثلاثة أوقات يغلب فيها التكشف ، وكان هذا الإذن للأطفال لكثرة دخولهم ولحاجتهم إلى معونة أسرتهم ، ولقلة إدراكهم لمعنى العورة .

فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم خرجوا عن حد الطفولة بأن احتلموا ، أو بلغوا السن التي يحكم فيها عليهم بالبلوغ ، وجب أن يفطموا عن تلك العادة ، ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات ، كما يستأذن الرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن .

أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا . . . ( النور : 27 ) .

تنبيهات :

1 – قال في الإكليل :

في الآية أن التكليف إنما يكون بالبلوغ ، وأن البلوغ يكون بالاحتلام ، وأن الأولاد البالغين لا يدخلون على والديهم إلا باستئذان كالأجانب .

2 – إذا لم تظهر علامات البلوغ على الصبي أو الفتاة ، يمكن أن نحكم لهم بالبلوغ الزمني وهو خمسة عشر عاما على الراجح ، وقد اختلف الفقهاء في تحديد سن البلوغ .

فقال الشافعي : وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد بن حنبل ، رحمهم الله : إن الولد – وكذلك البنت – إذا بلغ خمسة عشر عاما يكون بالغا ، ويؤيده قول من أبي حنيفة ، إلا أن قوله المشهور : أن الولد لا يكون بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ، وأن البنت لا تكون بالغة حتى تبلغ سبع عشرة سنة ، وليس هذان القولان بمبنيين على نص في الشريعة ، وإنما هما مبنيان على الاجتهاد الفقهي ، فليس من الضروري أن نقرر أن خمس عشرة أو ثماني عشرة سنة ، هي سن البلوغ في أمر الأولاد غير المحتلمين ، والبنات غير الحائضات ، في الدنيا كلها ، فإن أحوال نمو الجسد الإنساني تختلف باختلاف الأقطار والأزمان240 ، ومعرفة السن المعتادة للبلوغ ، أمر يرجع فيه إلى أهل الاختصاص كالأطباء ومن في حكمهم ، فهؤلاء يقدرون العمر الزمني للبلوغ في قطر من الأقطار .

وعند ذلك يمكن لرجال القانون أن يقرروا حد البلوغ للأطفال غير العاديين في ذلك القطر .

وما قدره الفقهاء من تحديد خمس عشرة سنة عمرا لبلوغ الولد غير المحتلم ، أمر قياسي يقوم على الاجتهاد لا على نص من النصوص الشرعية .

3 – جاء في كتب الفقه أن ابنة اللبان والجزار تدرك البلوغ في سن مبكرة عن مثيلاتها . وكأن الفقهاء بهذه اللمحة يتركون للقاضي تقدير سن البلوغ لكل فرد ، فقد يكون أحد الأطفال ضعيف البنية أو متأخر النمو ؛ فيتأخر العمر الزمني للحكم ببلوغه ، ويكون طفل آخر قوي الجسم سليم البنية فنحكم ببلوغه في سن متقدمة عن مثيله .