إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

{ وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم } لمَّا بيِّن فيما مرَّ آنفاً حكمَ الأطفالِ في أنَّه لا جناح عليهم في ترك الاستئذانِ فيما عدا الأوقاتِ الثلاثة عقب ببيان حالِهم بعد البلوغِ دفعاً لمَا عسى يُتوهم أنَّهم وإنْ كانُوا أجانبَ ليسُوا كسائرِ الأجانبِ بسببِ اعتيادهم الدُّخولَ أي إذا بلغَ الأطفالُ الأحرارُ الأجانبُ { فَلْيَسْتَأْذِنُواْ } إذا أرادُوا الدخولَ عليكم وقوله تعالى : { كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ } في حيِّز النَّصبِ على أنَّه نعتٌ لمصدر مؤكِّد للفعل السَّابقِ والموصول عبارةٌ عمَّن قيل لهم : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ } الآية ، ووصفهم بكونِهم قبل هؤلاء باعتبار ذكرِهم قبل ذكرِهم لا باعتبار بلوغِهم قبل بلوغِهم كما قيل لما أنَّ المقصودَ بالتشبيه بيانُ كيفيَّةِ استئذان هؤلاءِ وزيادةُ إيضاحِه ولا يتسنَّى ذلك إلا بتشبيهِه باستئذانِ المعهودين عند السَّامعِ ولا ريبَ في أنَّ بلوغهم قبلَ بلوغِ هؤلاءِ مما لا يخطُر ببال أحدٍ وإنْ كان الأمرُ كذلك في الواقع وإنَّما المعهودُ المعروفُ ذكرهم قبلَ ذكرِهم أي فليستأذنُوا استئذاناً كائناً مثل استئذانِ المذكورينَ قبلهم بأنْ يستأذنُوا في جميع الأوقاتِ ويرجعُوا إنْ قيل لهم : ارجعُوا حسبما فُصِّل فيما سلف { كذلك يُبَيّنُ الله لَكُمْ آياته والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } الكلامُ فيه كالذي سبقَ والتَّكريرُ للتأكيد والمبالغةِ في الأمر بالاستئذانِ ، وإضافةُ الآياتِ إلى ضمير الجلالةِ لتشريفها .