السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

ولما بيّن تعالى حكم الصبيان والأرقاء الذين هم أطوع للأمر ، وأقبل لكل خبر أتبعه حكم البالغين من الأحرار بقوله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } أي : إذا بلغ أطفالكم الأحرار بلوغ السن الذي يكون فيه إنزال المني سواء رأى منياً أم لا ، واختلف في ذلك السن ، فقال عامة العلماء : هو خمس عشرة سنة ، أي : قمرية تحديدية لا فرق في ذلك بين الذكر وغيره ، وقال أبو حنيفة : هو ثماني عشرة سنة في الغلام ، وسبع عشرة سنة في الجارية ، وعن علي رضي الله عنه : أنه تعتبر القامة وتقدر بخمسة أشبار ، وبه أخذ الفرزدق في قوله :

ما زال مذ عقدت يداه إزاره *** وسما فأدرك خمسة الأشبار

واعتبر غيره الإنبات أي : للعانة ، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه سأل عن غلام له فقال : هل اخضر إزاره ، أي : نبت شعر عانته ؟ فأسند الاخضرار إلى الإزار على المجاز ، ولأنه مما اشتمل عليه الإزار ، ونبات العانة الخشن عندنا علامة على بلوغ ولد الكافر فقط أما إذا رأى المني في وقت إمكانه وهو استكمال تسع سنين قمرية فإنا نحكم ببلوغه سواء كان ذكراً أم أنثى مسلماً أم كافراً ، وأما الخنثى فلا بدّ أن يمني من فرجيه أو يحيض بالفرج ، ويمني من الذكر { فليستأذنوا } أي : على غيرهم في جميع الأوقات { كما استأذن الذين من قبلهم } أي : من الأحرار الكبار الذين جعلوا قسيماً للمماليك ، فلا يدخل في ذلك الأرقاء ، فلا يستدل بذلك على أن العبد البالغ يستأذن على سيدته ، وقيل : المراد الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام { كذلك } أي : كما بين لكم ما ذكر { يبين الله } أي : الذي له الإحاطة والقدرة { لكم }أيتها الأمة { آياته } أي : دلالاته { والله } أي : الذي يعلم السر وأخفى { عليم } أي : بأحوال خلقه { حكيم } أي : فيما دبر لهم ، قال سعيد بن المسيب : يستأذن الرجل على أمه ، فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك ، وسئل حذيفة : أيستأذن الرجل على والدته ؟ فقال : نعم إن لم تفعل رأيت منها ما تكره ، وعن أنس قال : لما كانت صبيحة يوم احتلمت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أني قد احتلمت ، فقال : «لا تدخل على النساء فما أتى علي يوم كان أشد منه » .