الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

{ الأطفال مِنكُمُ } أي من الأحرار دون المماليك { الذين مِن قَبْلِهِمْ } يريد : الذين بلغوا الحلم من قبلهم ، وهم الرجال . أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله : { يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ } الآية [ النور : 27 ] : والمعنى أنّ الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث ، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم خرجوا عن حدّ الطفولة بأن يحتلموا أو يبلغوا السنّ التي يحكم فيها عليهم بالبلوغ ، وجب أن يفطموا عن تلك العادة ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كما الرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلاّ بإذن : وهذا مما الناس منه في غفلة ، وهو عندهم كالشريعة المنسوخة ، وعن ابن عباس : آية لا يؤمن بها أكثر الناس : آية الإذن ، وإني لآمر جارتي أن تستأذن عليَّ . وسأله عطاء : أأستأذن على أختي ؟ قال : نعم وإن كانت في حجرك تمونها ، وتلا هذه الآية . وعنه : ثلاث آيات جحدهنّ الناس : الإذن كله . وقوله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] فقال ناس : أعظمكم بيتاً . وقوله : { وَإِذَا حَضَرَ القسمة } [ النساء : 8 ] . وعن ابن مسعود : عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم . وعن الشعبي : ليست منسوخة ، فقيل له : إن الناس لا يعملون بها ، فقال : الله المستعان . وعن سعيد بن جبير يقول : هي منسوخة لا والله ما هي منسوخة ولكن الناس تهاونوا بها .

فإن قلت : ما السنّ التي يحكم فيها بالبلوغ ؟ قلت : قال أبو حنيفة ثماني عشرة سنة في الغلام ، وسبع عشرة في الجارية . وعامة العلماء على خمس عشرة فيهما . وعن علي رضي الله عنه أنه كان يعتبر القامة ويقدره بخمسة أشبار ، وبه أخذ الفرزدق في قوله :

مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إزَارَه *** فَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَارِ

واعتبر غيره الإنبات . وعن عثمان رضي الله عنه أنه سئل عن غلام ، فقال : هل اخضر إزاره ؟ .