محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

{ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

{ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ } أي الذين رخص لهم في ترك الاستئذان في غير الأوقات المذكورة { مِنكُمُ } أي من الأحرار ، دون المماليك ، فإنهم باقون على الرخصة { الْحُلُمَ } أي حد البلوغ بالاحتلام ، أو بالسن الذي هو مظنة الاحتلام { فَلْيَسْتَأْذِنُوا } أي في سائر الأوقات أيضا { كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي الذين بلغوا الحلم من قبلهم ، وهم الرجال أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله {[5856]} : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا } .

والمعنى أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن ، إلا في العورات الثلاث . فإذا اعتاد الأطفال ذلك ، ثم خرجوا عن حد الطفولة ، بأن يحتلموا أو يبلغوا السن التي يحكم فيها عليهم بالبلوغ ، وجب أن يفطموا عن تلك العادة ، ويحملوا على إن يستأذنوا في جميع الأوقات ، كما يستأذن الرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن .

وهذا مما الناس منه في غفلة ، وهو عندهم كالشريعة المنسوخة . وعن ابن عباس : ( آية لا يؤمن بها أكثر الناس : آية الإذن . وإني لآمر جارتي أن تستأذن علي ) .

وسأله عطاء : ( أستأذن على أختي ؟ قال : نعم ، وإن كانت في حجرك تمونها . وتلا هذه الآية ) . وعنه : ( ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله . وقوله {[5857]} : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فقال ناس : أعظمكم بيتا . وقوله {[5858]} : { وإذا حضر القسمة } ) . كذا في ( الكشاف ) .

تنبيه :

قال في ( الإكليل ) : في الآية أن التكليف إنما يكون بالبلوغ . وان البلوغ يكون بالاحتلام ، وأن الأولاد البالغين لا يدخلون على والديهم إلا بالاستئذان ، كالأجانب . انتهى .

وقال التقي السبكي في ( إبراز الحكم ، في شرح حديث رفع القلم ) : أجمع العلماء على أن الاحتلام يحصل به البلوغ في حق الرجل . ويدل لذلك قوله تعالى {[5859]} : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث {[5860]} ( وعن الصبي حتى يحتلم ) وهي رواية ابن أبي السرح عن ابن عباس . قال : والآية أصرح . فإنها ناطقة بالأمر بعد الحلم . وورد أيضا عن علي رضي الله عنه ، رفعه ( لا يتم بعد احتلام ، ولا صمات يوم إلى الليل ) {[5861]} رواه أبو داود . والمراد بالاحتلام خروج المني . سواء كان في اليقظة أم في المنام ، بحلم أو غير حلم . ولما كان في الغالب لا يحصل إلا في النوم بحلم ، أطلق عليه الحلم والاحتلام ، ولو وجد الاحتلام من غير خروج مني ، فلا حلم له .

'ثم قال : وقوله في الحديث ( حتى يحتلم ) دليل البلوغ بذلك . وهو إجماع . وهو حقيقة في خروج المني بالاحتلام ، ومجاز في خروجه بغير احتلام يقظة أو مناما أو منقول فيما هو أعم من ذلك . ويخرج منه الاحتلام بغير خروج مني ، إن أطلقناه عليه منقولا عنه . ولكونه فردا من أفراد الاحتلام . انتهى .

وفي ( القاموس ) : الحلم ( بالضم ) والاحتلام : الجماع في النوم . والاسم الحلم كعنق . انتهى .

وقال الراغب : سمي البلوغ حلما ، لكون صاحبه جديرا بالحلم : أي الأناة والعقل .


[5856]:(24 النور 27).
[5857]:(49 الحجرات 13).
[5858]:(4 النساء 8).
[5859]:(24 النور 59).
[5860]:أخرجه البخاري في: 86 – كتاب الحدود، 22 – باب لا يرجم المجنون. من قونل علي لعمر (من ترجمع الباب).
[5861]:أخرجه أبو داود في: 17 – كتاب الوصايا، 9 – باب ما جاء متى ينقطع اليتم، حديث رقم 2873.