جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (59)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : إذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم ويعني بقوله : مِنْكُمْ من أحراركم الحُلُمَ يعني الاحتلام واحتلموا . فَلْيَسْتأْذِنُوا يقول : فلا يدخلوا عليكم في وقت من الأوقات إلاّ بإذن ، لا في أوقات العَورات الثلاث ولا في غيرها . وقوله : كمَا اسْتَأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول : كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه الأحرار . وخصّ الله تعالى ذكره في هذه الآية الأطفال بالذكر وتعريف حكمهم عباده في الاستئذان دون ذكر ما ملكت أيماننا ، وقد تقدّمت الآية التي قبلها بتعريفهم حكم الأطفال الأحرار والمماليك لأن حكم ما ملكت أيماننا من ذلك حكم واحد ، سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم في أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث التي ذكرها الله في الآية التي قبل .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : أما من بلغ الحُلُم ، فإنه لا يدخل على الرجل وأهله يعني من الصبيان الأحرار إلا بإذن على كل حال وهو قوله : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتأْذِنُوا كمَا اسْتأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَستأْذِنُوا قال : واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا ، على مَنْ كان مِنَ الناس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، قال : يستأذن الرجل على أمه . قال : إنما نزلت : وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ في ذلك . كَذلكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ يقول : هكذا يبين الله لكم آياته ، أحكامه وشرائع دينه ، كما بين لكم أمر هؤلاء الأطفال في الاستئذان بعد البلوغ . وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يقول : والله عليم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأشياء ، حكيم في تدبيره خلقه .