قوله تعالى : { وما لكم لا تقاتلون } لا تجاهدون .
قوله تعالى : { في سبيل الله } في طاعة الله ، يعاتبهم على ترك الجهاد .
قوله تعالى : { والمستضعفين } أي : عن المستضعفين ، وقال ابن شهاب : في سبيل المستضعفين لتخليصهم ، وقيل : في تخليص المستضعفين من أيدي المشركين ، وكان بمكة جماعة من الرجال والنساء والولدان ، يلقون من المشركين أذى كثيراً .
قوله تعالى : { الذين } يدعون .
قوله تعالى : { يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } ، يعني : مكة .
قوله تعالى : { الظالم } أي : المشرك .
قوله تعالى : { أهلها } يعني القرية التي من صفتها أن أهلها مشركون ، وإنما خفض الظالم لأنه نعت للأهل ، فلما عاد الأهل إلى القرية صار الفعل لها ، كما يقال : مررت برجل حسنة عينه .
قوله تعالى : { واجعل لنا من لدنك ولياً } ، أي : من يلي أمرنا .
قوله تعالى : { واجعل لنا من لدنك نصيراً } ، أي : من يمنع العدو عنا ، فاستجاب الله دعوتهم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد ، وجعله الله لهم نصيراً ينصف المؤمنين المظلومين من الظالمين .
{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ والنساء وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ ربَنا أَخْرِجْنَا مِنْ هََذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ نَصِيراً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله ، وفي المستضعفين ، يقول : عن المستضعفين منكم من الرجال والنساء والولدان . فأما من الرجال فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة ، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم وآذوهم ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم ، ليفتنوهم عن دينهم . فحضّ الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار ، فقال لهم : وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدّهم عن دينهم من الرجال والنساء ؟ والولدان جمع ولد : وهم الصبيان . { الّذِينَ يَقُولونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنَ هذهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون في دعائهم ربهم بأن ينجيهم من فتنة من قد استضعفهم من المشركين : يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها والعرب تسمي كلّ مدينة قرية يعني : التي قد ظلمتنا وأنفسها وأهلها . وهي في هذا الموضع فيما فسر أهل التأويل مكة وخفض الظالم ، لأنه من صفة الأهل ، وقد عادت الهاء والألف اللتان فيه على القرية ، وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة الاسم الذي معه عائد لاسم قبلها أتبعت إعرابها إعراب الاسم الذي قبلها كأنها صفة له ، فتقول : مررت بالرجل الكريم أبوه . { وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا } يعني أنهم يقولون أيضا في دعائهم : يا ربنا واجعل لنا من عندك وليّا ، يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك . { وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيرا } يقولون : واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها ، بصدّهم إيانا عن سبيلك ، حتى تظفرنا بهم ونُعلي دينك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { مِنَ الرّجالِ والنّساءِ وَالوِلْدانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } قال : أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفي المؤمنين كانوا بمكة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَالمْسْتَضْعفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ والوِلْدانِ } الصبيان { الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } مكة ، أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ والنّساءِ وَالوِلْدانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } يقول : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين ، وأما القرية : فمكة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا المبارك ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ } قال : وفي المستضعفين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، أنه سمع محمد بن مسلم بن شهاب يقول : { وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجال وَالنّساءِ وَالوِلْدَانِ } قال : في سبيل الله وسبيل المستضعفين .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله : { أَخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } قالا : خرج رجل من القرية الظالمة إلى القرية الصالحة ، فأدركه الموت في الطريق ، فنأي بصدره إلى القرية الصالحة ، فاحتجّت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأمروا أن يقدّروا أقرب القريتين إليه ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر . وقال بعضهم : قرّب الله إليه القرية الصالحة ، فتوفته ملائكة الرحمة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَالُمسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدانِ } هم أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها ليهاجروا ، فعذرهم الله ، وفيهم نزل قوله : { رَبّنا أخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } فهي مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ والنّساءِ وَالوِلْدانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها } قال : وما لكم لا تفعلون ، تقاتلون لهؤلاء الضعفاء المساكين الذين يدعون الله بأن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها ، فهم ليس لهم قوّة ؟ فما لكم لا تقاتلون حتى يسلم لله هؤلاء ودينهم ؟ قال : والقرية الظالم أهلها : مكة .
والخطاب في قوله : { ومالكم لا تقاتلون } التفات من طريق الغيبة ، وهو طريق الموصول في قوله : { الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة } إلى طريق المخاطبة .
ومعنى { ما لكم لا تقاتلون } ما يمنعكم من القتال ، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون ، فجملة { لا تقاتلون } حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام .
والاستفهام إنكاري ، أي لا شيء لكم في حال لا تقاتلون ، والمراد أنّ الذي هو لكم هو أن تقاتلوا ، فهو بمنزلة أمرٍ ، أي قاتلوا في سبيل الله لا يصدّكم شيء عن القتال ، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة [ البقرة : 246 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.