فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75)

{ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ( 75 ) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( 76 ) }

{ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله } خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات { و } سبيل { المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد ، ويجوز أن يكون منصوبا على الاختصاص أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله ، واختار الأول الزجاج والأزهري .

وقال محمد ابن يزيد اختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفا على السبيل لا على الجلالة وإن كانت أقرب على ما في تفسير الكواشي ، لأن خلاص المستضعفين من أيدي المشركين سبيل الله لا سبيلهم .

والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار ، وهم الذين كانوا يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم أنج الوليد بين الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين كما في الصحيح .

وفيه دليل على أن الجهاد واجب ، والمعنى لا عذر في ترك الجهاد وقد بلغ حال المستضعفين ما بلغ من الضعف والأذى .

وقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال : أنا وأمي من المستضعفين وفي رواية قال : كنت أنا وأمي ممن عذر الله وأنا من الولدان وأمي من النساء ، ولا يبعد أن يقال إن لفظ الآية أوسع من هذا ، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله { الذين يقولون } داعين { ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } فإنه يشعر باختصاص ذلك المستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية الظالم أهلها مكة { واجعل لنا من لدنك وليا } يوالينا ويقوم بمصالحنا ويحفظ علينا ديننا وشرعنا { واجعل لنا من لدنك نصيرا } ينصرنا على أعدائنا .

وقد استجاب الله دعائهم وجعل لهم من لدنه خير ولي وخير ناصر ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولى أمرهم ونصرهم واستنقذهم من أيدي المشركين يوم فتح مكة ، وقال السيوطي : يسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة ، وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم انتهى ، وكان ابن ثماني عشر سنة قال الخازن : فكان يأخذ للضعيف من القوي وينصر المظلومين على الظالمين .