قوله تعالى : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } ، منعوا الناس عن طريق الحق ، { زدناهم عذاباً فوق العذاب } ، قال عبد الله : عقارب لها أنياب أمثال النخل الطوال . وقال سعيد بن جبير : حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال ، تلسع إحداهن اللسعة ، يجد صاحبها حمتها أربعين خريفاً . وقال ابن عباس و مقاتل : يعني : خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار ، تسيل من تحت العرش ، يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل ، واثنان على مقدار النهار . وقيل : إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير ، فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها . وقيل : يضاعف لهم العذاب . { بما كانوا يفسدون } ، في الدنيا بالكفر ، وصد الناس عن الإيمان .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : الذين جحدوا يا محمد نبوّتك وكذّبوك فيما جئتهم به من عند ربك ، وصَدّوا عن الإيمان بالله وبرسوله ومن أراده ، زدناهم عذابا يوم القيامة في جهنم فوق العذاب الذي هم فيه ، قبل أن يزادوه . وقيل : تلك الزيادة التي وعدهم الله أن يزيدهموها ، عقارب وحيات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله : زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ قال : عقارب لها أنياب كالنخل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن عيينة ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله : { زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ } ، قال : زِيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن مرّة ، عن عبد الله ، قال : { زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ } قال : أفاعِيَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن مرّة عن عبد الله ، قال : أفاعيَ في النار .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مرّة ، عن عبد الله ، مثله .
حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن الصباح ، قالا : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قال : إن لجهنم جِبابا فيها حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال الدهم ، يستغيث أهل النار إلى تلك الجبِاب أو الساحل ، فتثب إليهم فتأخذ بشِفاههم وشفارهم إلى أقدامهم ، فيستغيثون منها إلى النار ، فيقولون : النارَ النارَ فتتبعهم حتى تجد حرّها فترجع ، قال : وهي في أسراب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني حَيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو ، قال : إن لجهنم سواحل فيها حيات وعقارب ، أعناقها كأعناق البخت .
وقوله : { بِمَا كانُوا يُفْسِدُونَ } ، يقول : زدناهم ذلك العذاب على ما بهم من العذاب بما كانوا يفسدون ، بما كانوا في الدنيا يعصُون الله ويأمرون عباده بمعصيته ، فذلك كان إفسادهم ، اللهمّ إنا نسألك العافية ، يا مالك الدنيا والآخرة الباقية .
وقوله : { الذين كفروا } الآية ، في ضمن : { وضل عنهم ما كانوا يفترون } ؛ لأنه حل بهم عذاب الله وباشروا نقمته ، ثم فسروه فأخبر أن الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الدخول في الدين وسلوك سبيل الله ، زادهم عذاباً أجلّ من العذاب العام لجميع الناس ، عقوبة على إفسادهم ، فيحتمل أن يكون قوله : { الذين } ، بدلاً من الضمير في : { يفترون } ، و { زدناهم } ، فعل مستأنف إخباره ، ويحتمل أن يكون : { الذين } ، ابتداء و { زدناهم } ، خبره ، وروي في ذلك : أن الله تعالى يسلط عليهم عقارب وحيات ، لها أنياب كالنخل الطوال ، قاله ابن مسعود ، وقال عبيد بن عمير : لها أنياب كالنخل ، وعقارب كالبغال الدهم ، ونحو هذا عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، إن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب ، فيفر الكافر إلى السواحل من النار ، فتلقاهم هذه الحيات والعقارب ، فيفرون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حر النار ، فترجع ، قال وهي في أسراب .
لما ذكر العذاب الذين هم لاقوه على كفرهم استأنف هنا بذكر زيادة العذاب لهم على الزّيادة في كفرهم بأنهم يصدّون الناس عن اتّباع الإسلام ، وهو المراد بالصدّ عن سبيل الله ، أي السبيل الموصلة إلى الله ، أي إلى الكون في أوليائه وحزبه . والمقصود : تنبيه المسلمين إلى كيدهم وإفسادهم ، والتّعريض بالتّحذير من الوقوع في شراكهم .
والتّعريف في قوله تعالى : { فوق العذاب } تعريف الجنس المعهود حيث تقدّم ذكره في قوله تعالى : { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب } [ سورة النحل : 85 ] ، لأن عذاب كفرهم لما كان معلوماً بكثرة الحديث عنه صار كالمعهود ؛ وأما عذاب صدّهم الناس فلا يخطر بالبال فكان مجهولاً فناسبه التنكير .
والباء في { بما كانوا يفسدون } للسببية . والمراد : إفسادهم الراغبين في الإسلام بتسويل البقاء على الكفر ، كما فعلوا مع الأعشى حين جاء مكّة راغباً في الإسلام مادحاً الرسول عليه الصلاة والسلام بقصيدة :
هَل اغتمضَتْ عيناك ليلةَ أرْمَدَا
وقصّته في كتب السيرة والأدب . وكما فعلوا مع عامر بن الطّفيل الدّوسي فإنه قدم مكّة فمشى إليه رجال من قريش فقالوا : يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وقد فرّق جماعتنا وشتّت أمرنا وإنما قوله كالسحر ، وإنّا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنّه ولا تسمعَنّ منه . وقد ذكر في قصة إسلام أبي ذرّ كيف تعرّضوا له بالأذى في المسجد الحرام حين علموا إسلامه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.