معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

فلما قصها على أبيه ، { قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك } ، وذلك أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي فعلم يعقوب أن الأخوة إذا سمعوها حسدوه فأمره بالكتمان ، { فيكيدوا لك كيدا } ، فيحتالوا في إهلاكك لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك . واللام في قوله { لك } صلة ، كقوله تعالى : { لربهم يرهبون } [ الأعراف-154 ] . وقيل : هو مثل قولهم نصحتك ونصحت لك ، وشكرتك وشكرت لك . { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ، أي : يزين لهم الشيطان ، ويحملهم على الكبد ، لعداوته القديمة .

أخبرنا عبد الواحد بن المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، ثنا علي ابن الجعد ، أنبأنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال : سمعت أبا سلمة قال : كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى الرؤيا فتمرضني ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " الرؤيا الصالحة من الله تعالى ، والحلم من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ، ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ، ولا يحدث به أحدا فإنها لن تضره " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، ثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن أبي رزين العقيلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو على رجل طائر فإذا حدث بها وقعت ، وأحسبه قال : لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ يَبُنَيّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىَ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنّ الشّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّ مّبِينٌ } .

يقول جلّ ذكره : قالَ يعقوب لابنه يوسف : { يا بُنَيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ } ، هذه ، { عَلى إخْوَتِكَ } ، فيحسدوك ، { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، يقول : فيبغوك الغوائل ، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . { إنّ الشّيْطانَ للإِنْسانِ عَدُوّ مُبِينٌ } ، يقول : إن الشيطان لآدم وبنيه عدوّ ، وقد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول : فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك . وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من إخوته قبل ذلك حسده . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : نزل يعقوب الشام ، فكان همه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حبّ أبيه له ، ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدّث بها أباه فقال : { يا بُنيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ على إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا . . . . } ، الآية .

واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله : { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، فقال بعض نحويي البصرة : معناه : فيتخذوا لك كيدا ، وليست مثل : { إنْ كُنْتُمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ } ، تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل بالباء ، كما تقول : قدمت له طعاما ، تريد : قدّمت إليه . وقال : { يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ } ، ومثله قوله : { قُلِ اللّهُ يَهْدِي للحَقّ } ، قال : وإن شئت كان : { فيكيدوا لك كيدا } ، في معنى : فيكيدوك ، وتجعل اللام مثل : { لِرَبّهمْ يَرْهَبُونَ } . وقد قال : { لربهم يرهبون } ، إنما هو بمكان : «ربهم يرهبون » . وقال بعضهم : أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم : حمدت لك وشكرت لك ، وحمدتك وشكرتك ، وقال : هذه لام عليها الفعل ، فكذلك قوله : { فيَكيدُوا لَكَ كَيْدا } ، تقول : فيكيدوك ، ويكيدوا لك فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال : و{ كيدا } : توكيد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته ، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم ، فيعملوا الحيلة على هلاكه ، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف - الذي يأتي ذكره - يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت . ووقع في كتاب الطبري لابن زيد : أنهم كانوا أنبياء ؛ وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للهلاك والتوافر في قتله .

ثم أعلمه : { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } أي هو يدخلهم في ذلك ويحضهم عليه .

وأمال الكسائي { رؤياك } ، والرؤيا حيث وقعت وروي عنه : أنه لم يمل : { رؤياك } في هذه السورة وأمال الرؤيا حيث وقعت ، وقرأ «روياك » بغير همز - وهي لغة أهل الحجاز - ولم يملها الباقون حيث وقعت .

و «الرؤيا » مصدر كثر وقوعه على هذا المتخيل في النوم حتى جرى مجرى الأسماء كما فعلوا في الدر في قولهم : لله درك فخرجا من حكم عمل المصادر وكسروها رؤى بمنزلة ظلم ، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر{[6562]} .


[6562]:الرؤيا: مصدر كالبقيا، قال الزمخشري: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان في النوم دون اليقظة، فرق بينهما بحرفي التأنيث كما قيل في القربة والقربى" .