تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

وقوله تعالى : ( قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) ، دل قوله : ( لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) على أن ما رأى يوسف من سجود الكواكب وسجود الشمس والقمر أنه إنما كان رأى ذلك في المنام .

ويدل ما ذكر في آخره أيضا على ذلك ، وهو قوله : ( يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ )[ الآية : 100 ] .

دل قوله : ( لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) أن يعقوب إنما عرف ذلك بالوحي حين[ في الأصل وم : حيث ] قطع القول في قوله : ( فيكيدوا لك كيدا ) ولم يستثن في ذلك ، وقد فعلوا به ما قال .

وفيه دلالة أن إخوته قد كانوا يعرفون تعبير الرؤيا ، وكانوا علماء حكماء حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( لا تقصص رؤياك على إخوتك ) لأنهم لو كانوا لا يعرفون تأويلها ، ولا علموا تعبيرها ، لم يكن لينهاه عن أن يقص على إخوته ؛ لأنه ، لو قصها ، أو لم يقصها ، إذا لم يعلموا ، سواء .

وفيه دلالة أن الأخ يتهم[ أدرج قبلها في الأصل : لا ] في أخيه ، ويكون من الأخ الخيانة إلى أخيه ، والأب والأم لا يتهمان في الابن ، والولد لا يتهم في والديه ، ولا يكون من بعض إلى بعض خيانة في الغالب ؛ لأن يعقوب نهى ولده يوسف أن يقصها على إخوته ، وأخبر أنهم إذا علموا بذلك كادوه ، وحسدوه ، ولم ينهه بمثله في أمه . ودل أن الأخ ؛ لا يتهم في [ شهادته لأخيه ، ويتهم الأب والأم ][ في م : شهادة أخيه ، ويتهم الأب والأم ، ساقطة من الأصل ] في شهادتهما لولدهما وكذلك الولد في [ شهادته لوالديه ][ في الأصل وم : والديه ] .

ولهذا قال أصحابنا : إن شهادة الوالد لولده لا تقبل ، وكذلك شهادة الولد لوالدته ، وشهادة الأخ لأخيه تقبل ، لما ينتفع الولد بمال والديه ، والوالد بمال ولده ، ولا ينتفع الأخ بمال أخيه . وكل من ينتفع بمال آخر اتُّهم في شهادته ، أو لم تقبل شهادته . وكل من لم ينتفع به قبلت ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ظاهر العداوة . وقال موسى حين قتل : ( هذا من عمل الشيطان )[ القصص : 15 ] بدو كل شر يكون من الشيطان ، يقذف في القلوب ، ويخطر في الصدور ، ثم تكون العزيمة على ذلك ، والفعل من العبد ، وهو ما قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله )[ الأعراف : 200 ] وقال : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف )الآية[ الأعراف : 201 ] والطيف [ والطائف ][ ساقطة من الأصل وم ] القذف والوسوسة . فإذا ذكر الله ذهب . وقيل : الكيد والمكر سواء ، وهو قل أبي عوسجة .

وقال القتبي : الكيد هو الاحتيال والاغتيال ، وقيل : الكيد هو أن يطلب إيصال شر به على غير علم منه ، وكذلك المكر .