المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته ، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم ، فيعملوا الحيلة على هلاكه ، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف - الذي يأتي ذكره - يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت . ووقع في كتاب الطبري لابن زيد : أنهم كانوا أنبياء ؛ وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للهلاك والتوافر في قتله .

ثم أعلمه : { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } أي هو يدخلهم في ذلك ويحضهم عليه .

وأمال الكسائي { رؤياك } ، والرؤيا حيث وقعت وروي عنه : أنه لم يمل : { رؤياك } في هذه السورة وأمال الرؤيا حيث وقعت ، وقرأ «روياك » بغير همز - وهي لغة أهل الحجاز - ولم يملها الباقون حيث وقعت .

و «الرؤيا » مصدر كثر وقوعه على هذا المتخيل في النوم حتى جرى مجرى الأسماء كما فعلوا في الدر في قولهم : لله درك فخرجا من حكم عمل المصادر وكسروها رؤى بمنزلة ظلم ، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر{[6562]} .


[6562]:الرؤيا: مصدر كالبقيا، قال الزمخشري: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان في النوم دون اليقظة، فرق بينهما بحرفي التأنيث كما قيل في القربة والقربى" .