السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

{ قال } له أبوه { يا بنيّ } بصيغة التصغير للشفقة أو لصغر سنه على ما تقدّم ، وقرأ حفص في الوصل بفتح الياء ، والباقون بالكسر والتشديد للجميع { لا تقصص رؤياك على إخوتك } ، أي : لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها { فيكيدوا لك كيدا } ، أي : فيحتالوا في هلاكك . فإن قيل : لم لم يقل فيكيدوك كما قال فكيدوني ؟ أجيب : بأنّ هذه اللام تأكيد للصلة كقوله : { للرؤيا تعبرون } [ يوسف ، 43 ] وكقوله : نصحتك ونصحت لك ، وشكوتك وشكوت لك . وقيل صلة كقوله : { لربهم يرهبون } [ الأعراف ، 154 ] . { إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين } ، أي : ظاهر العداوة كمل فعل بآدم وحوّاء فلا يألو جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد ، وعن أبي قتادة قال : كنت أرأى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يحبه فلا يحدّث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فلا يحدث به وليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و شرّها فإنها لا تضرّه » .

وعن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه » . وعن أبي رزين العقيلي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة ، وهي على رجل طائر ما لم يحدّث بها فإذا حدّث بها سقطت » قال : وأحسبه قال : «ولا يحدّث بها إلا لبيباً أو حبيباً » وإنما أضيفت الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف الرؤيا المكروهة وإن كانتا جميعاً من خلق الله تعالى وتدبيره وإرادته ولا فعل للشيطان فيهما ، ولكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ، فيستحب إذا رأى الشخص في منامه ما يحب أن يحدّث به من يحب ، وإذا رأى ما يكره فلا يحدّث به وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من شرها ، وليتفل ثلاثاً ، وليتحول عن جنبه الآخر فإنها لا تضرّه ، فإنّ الله تعالى جعل هذه الأسباب سبباً لسلامته من المكروه كما جعل الصدقة سبباً لوقاية المال . قال الحكماء : إنّ الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين ، قالوا : والسبب فيه أن رحمة الله تعالى تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل ، وأمّا الإعلام بالخير فإنه يحصل متقدّماً على ظهوره بزمن طويل حتى تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حضور ذلك الخير أكثر وأتم ، ولهذا لم تظهر رؤيا يوسف عليه السلام إلا بعد أربعين سنة ، وهو قول أكثر المفسرين ، وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة حتى اجتمع على أبويه وإخوته وخروا له ساجدين .