معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ ولما فصلت العير } أي خرجت من عريش مصر متوجهة إلى كنعان { قال أبوهم } ، أي : قال يعقوب لولد ولده { إني لأجد ريح يوسف } . روي أن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير . قال مجاهد : أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام . وحكي عن ابن عباس : من مسيرة ثمان ليال . وقال الحسن : كان بينهما ثمانون فرسخا . وقيل : هبت ريح فصفقت القميص فاحتملت ريح القميص إلى يعقوب فوجد ريح الجنة فعلم أن ليس في الأرض من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص ، فلذلك قال : { إني لأجد ريح يوسف } قبل البشير . { لولا أن تفندون } ، تسفهوني ، وعن ابن عباس : تجهلوني . وقال الضحاك : تهرموني فتقولون شيخ كبير قد خرف وذهب عقله . وقيل : تضعفوني . وقال أبو عبيدة : تضللوني . وأصل الفند : الفساد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } .

يقول تعالى ذكره : ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب ، قال أبوهم يعقوب : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ذكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها ، فأتته بها . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو شريح ، عن أبي أيوب الهوزني ، حدثه ، قال : استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير ، ففعل ، قال يعقوب : إنّي لأجِدُ ريحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلمّا فَصَلَتِ العِيرُ قالَ أبُوهُمْ إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : هاجت ريح ، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليال ، فقال : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : وَلمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال : هاجت ريح ، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثمان ليال .

حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : كنت إلى جنب ابن عباس ، فسئل : مِن كم وجدَ يعقوب ريح القميص ؟ قال : من مسيرة سبع ليال أو ثمان ليال .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن أبي الهذيل ، قال : قال لي أصحابي : إنك تأتي ابن عباس ، فسله لنا ، قال : فقلت : ما أسأله عن شيء ، ولكن أجلس خلف السرير فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي ، فسمعته يقول : وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ، قال ابن أبي الهذيل : فقلت : ذاك كمكان البصرة من الكوفة .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن ضرار بن مرّة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال : فقلت في نفسي : هذا كمكان البصرة من الكوفة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال : وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال : قلت له : ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة . واللفظ لحديث أبي كريب .

حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا عاصم وعلي ، قالا : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرني أبو سنان ، قال : سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس في هذه الآية : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال : وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو سنان ، قال : سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس ، مثله .

قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كنا عند ابن عباس فقال : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال : وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : وَلما فَصَلَتِ العِيرُ قال : لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف ، فقال : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذٍ ثمانون فرسخا ، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان ، وقد أتى لذلك زمان طويل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال : بلغنا أنه كان بينهم يومئذٍ ثمانون فرسخا ، وقال : إنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ وكان قد فارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس ، في قوله : إنّي لأَجِدُ رَيحَ يُوسُفَ قال : وجد ريح قميص من مسيرة ثمانية أيام .

قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، قوله : وَلمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال : فلما خرجت العير هبّت ريح ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب ، فقال : إنّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال : ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما فصلت العير من مصر استروح يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن عنده من ولده : إنّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ .

وأما قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ فإنه يعني : لولا أن تُعَنّفُوني ، وتُعَجّزوني ، وتلُوموني ، وتكذّبوني ومنه قول الشاعر :

يا صاحِبَيّ دَعا لَوْمي وتَفْنِيدِي *** فلَيْس ما فاتَ من أمْرِي بمرْدودِ

ويقال : أفند فلانا الدهر ، وذلك إذا أفسده ومنه قول ابن مقبل :

دَع الدّهرَ يفْعَلْ ما أرَاد فإنّه *** إذا كُلّفَ الإفْنادَ بالنّاس أفْنَدا

واختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معناه : لولا أن تسفهوني . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : تسفهون .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، مثله .

وبه قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خَصيف ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : تسفهون .

حدثني المثنى وعليّ بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول : تجهلون .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : لولا أن تسفهون .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قالا : جميعا ، حدثنا سفيان ، عن خَصِيف ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : لولا أن تسفهون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحِمّاني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وسالم عن سعيد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونْ قال أحدهما : تسفهون ، وقال الاَخر : تكذّبون .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : لولا أن تكذّبون ، لولا أن تسفهون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : تسفهون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول : لولا أن تسفهون .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَوْلا أنْ تُفَنّدونِ يقول : لولا أن تسفهون .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول : تسفهون .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : ذهب عقله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : قد ذهب عقله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : قد ذهب عقله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال لولا أن تقولوا : ذهب عقلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول : لولا أن تضعفوني .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : الذي ليس له عقل ذلك المفند ، يقولون لا يعقل .

وقال آخرون : معناه : لولا أن تكذّبون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن شريك ، عن سالم : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : تكذبون .

قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : لولا أن تهرّمون وتكذّبون .

قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد ، قال : تكذّبون .

قال : حدثنا عبدة وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : لولا أن تكذّبون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لَوْلا تُفَنّدُونِ تكذّبون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : تسفهون أو تكذّبون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول : تكذّبون .

وقال آخرون : معناه تهرّمون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : لولا أن تهرّمون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : تُهرّمون .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو الأشهب ، عن الحسن : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال : تهرمون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب وغيره ، عن الحسن ، مثله .

وقد بيّنا أن أصل التفنيد : الإفساد . وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد ، لأن أصل ذلك كله الفساد ، والفساد في الجسم : الهرم وذهاب العقل والضعف ، وفي الفعل الكذب واللوم بالباطل ، ولذلك قال جرير بن عطية :

يا عاذليّ دَعا المَلام وأقْصِرَا *** طالَ الهَوَى وأطلْتُما التّفْنِيدا

يعني الملامة . فقد تبين إذ كان الأمر على ما وصفنا أن الأقوال التي قالها مَن ذكرنا قوله في قوله : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ على اختلاف عباراتهم عن تأويله ، متقاربة المعاني ، محتمل جميعها ظاهر التنزيل ، إذ لم يكن في الآية دليل على أنه معنيّ به بعض ذلك دون بعض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ ولما فصلت العير } من مصر وخرجت من عمرانها . { قال أبوهم } لمن حضره . { إني لأجد ريح يوسف } أوجده الله ريح ما عبق بقميصه من ريحه حيين أقبل به إليه يهوذا من ثمانين فرسخا . { لولا أن تفنّدون } تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم ، ولذلك لا يقال عجوز مفندة لأن نقصان عقلها ذاتي . وجواب { لولا } محذوف بقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

وقوله تعالى : { ولما فصلت العير } الآية ، معناه : فصلت العير من مصر متوجهة إلى موضع يعقوب ، حسبما اختلف فيه ، فقيل : كان على مقربة من بيت المقدس ، وقيل كان بالجزيرة والأول أصح لأن آثارهم وقبورهم حتى الآن هناك .

وروي أن يعقوب وجد { ريح يوسف } وبينه وبين القميص مسيرة ثمانية أيام ، قاله ابن عباس ، وقال : هاجت ريح فحملت عرفه ؛ وروي : أنه كان بينهما ثمانون فرسخاً - قاله الحسن - وابن جريج قال : وقد كان فارقه قبل ذلك سبعاً وسبعين سنة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قريب من الأول .

وروي : أنه كان بينهما مسيرة ثلاثين يوماً ، قاله الحسن بن أبي الحسن ، وروي عن أبي أيوب الهوزني : أن الريح استأذنت في أن توصل عرف يوسف إلى يعقوب ، فأذن لها في ذلك . وكانت مخاطبة يعقوب هذه لحاضريه ، فروي : أنهم كانوا حفدته ، وقيل : كانوا بعض بنيه ، وقيل : كانوا قرابته .

و { تفندون } معناه : تردون رأيي وتدفعون في صدري ، وهذا هو التفنيد في اللغة ، ومن ذلك قول الشاعر : [ البسيط ]

يا عاذليّ دعا لومي وتفنيدي*** فليس ما فات من أمري بمردود{[6826]}

ويقال : أفند الدهر فلاناً : إذا أفسده .

قال ابن مقبل : [ الطويل ]

دع الدهر يفعل ما أراد فإنه*** إذا كلف الإفناد بالناس أفندا{[6827]}

ومما يعطي أن الفند الفساد في الجملة قول النابغة : [ البسيط ]

إلا سليمان إذ قال الإله له*** قم في البرية فاحددها عن الفند{[6828]}

وقال منذر بن سعيد : يقال : شيخ مفند : أي قد فسد رأيه ، ولا يقال : عجوز .

قال القاضي أبو محمد : والتفنيد يقع إما لجهل المفند ، وإما لهوى غلبه ، وإما لكذبه ، وإما لضعفه وعجزه لذهاب عقله وهرمه ، فلهذا فسّر الناس التفنيد في هذه الآية بهذه المعاني ومنه قوله عليه السلام أو هرماً مفنداً{[6829]} .

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : معناه تسفهون ، وقال ابن عباس - أيضاً - تجهلون ، وقال ابن جبير وعطاء : معناه : تكذبون{[6830]} ، وقال ابن إسحاق : معناه : تضعفون ، وقال ابن زيد ومجاهد : معناه : تقولون : ذهب عقلك ، وقال الحسن : معناه : تهرمون .

والذي يشبه أن تفنيدهم ليعقوب إنما كان لأنهم كانوا يعتقدون أن هواه قد غلبه في جانب يوسف{[6831]} . قال الطبري : أصل التفنيد الإفساد .


[6826]:البيت لهانئ بن شكيم العدوي، والرواية في الطبري يا صاحبي، وكذلك رواه القرطبي، وقد استشهد به أبو عبيدة في "مجاز القرآن" دليلا على أن معنى [تفندون] هو تسفهون وتعجزون، وفي روايته: (ما فات من أمر)، يقول الشاعر: لا داعي للوم وتسفيه الرأي فقد مضى ما مضى ولا سبيل إلى الرجوع فيه.
[6827]:الخطاب في البيت لخليله، وقد ذكرهما قبل البيت، ولهذا فالرواية (دعا)، ولفظ البيت كما في الديوان: دعا الدهر يفعل ما أراد فإنه إذا كلف الإفساد بالناس أفسدا وعلى هذا فلا شاهد فيه. ومعنى أفند: أوقع في الفند، وهو الخرف وإنكار العقل من الهرم والمرض.
[6828]:البيت من قصيدته المشهورة التي يمدح النعمان بن المنذر، ويعتذر إليه مما بلغه عنه في أمر المتجردة، وهو هنا يشبه النعمان بسيدنا سليمان عليه السلام في عظم الملك، وقبل هذا البيت يقول النابغة: ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ولا أحاشي من الأقوام من أحد
[6829]:هذا جزء من حديث رواه الترمذي في الزهد، وقد ورد التفنيد في أحاديث كثيرة، روى شمر في حديث واثلة بن الأسقع أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتزعمون أنني من آخركم وفاة؟ ألا إني من أولكم وفاة. تتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضا)، والمعنى تتبعونني ذوي فند، أي: عجز وكفر للنعمة.
[6830]:ومنه قول الشاعر: هل في افتخار الكريم من أود؟ أم هل لقول الصدق من فند؟ والأود: العوج، والفند هنا الكذب.
[6831]:فهو إذا من فساد العقل، وعليه قول الشاعر: يا عاذلي دعا الملام وأقصر طال الهوى وأطلتما التفنيدا
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

التقدير : فخرجوا وارتحلوا في عير .

ومعنى { فصلتْ } ابتعدت عن المكان ، كما تقدم في قوله تعالى : { فلما فصل طالوت بالجنود } في سورة البقرة ( 249 ) .

والعير تقدم آنفاً ، وهي العير التي أقبلوا فيها من فلسطين .

ووجدَانُ يعقوب ريح يوسف عليهما السلام إلهام خارق للعادة جعله الله بشارة له إذ ذكره بشمه الريح الذي ضمّخ به يوسف عليه السلام حين خروجه مع إخوته وهذا من صنف الوحي بدون كلام ملك مُرسل . وهو داخل في قوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً } [ سورة الشورى : 51 ] .

والريح : الرائحة ، وهي ما يعبق من طيب تدركه حاسة الشم .

وأكد هذا الخبر { بإنّ } واللام لأنه مظنة الإنكار ولذلك أعقبه ب { لولا أن تفندون } .

وجواب { لولا } محذوف دلّ عليه التأكيد ، أي لولا أن تفندوني لتحققتم ذلك .

والتفنيد : النسبة للفنَد بفتحتين ، وهو اختلال العقل من الخرف .

وحذفت ياء المتكلم تخفيفاً بعد نون الوقاية وبقيت الكسرة .