السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ ولما فصلت العير } من عريش مصر وهو آخر بلاد مصر إلى أوّل بلاد الشأم { قال أبوهم } لولد ولده ومن حوله من أهله مؤكداً لعلمه أنهم ينكرون قوله : { إني لأجد ريح يوسف } أوصلته إليه ريح الصبا بإذن الله تعالى من مسيرة ثلاثة أيام أو ثمانية أو أكثر ، قال مجاهد : هبت ريح فصفقت القميص ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة فعلم عليه السلام أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص .

قال أهل المعاني : إنّ الله تعالى أوصل إليه ريح يوسف عليه السلام عند انقضاء مدّة المحنة ومجيء وقت الفرج من المكان البعيد ، ومنع من وصول خبره إليه مع قرب إحدى البلدتين من الأخرى في مدّة ثمانين سنة ، وذلك يدل على أن كل سهل فهو في زمان المحنة صعب ، وكل صعب فهو في زمان الإقبال سهل ، ومعنى { أجد ريح يوسف } أشم وعبر بالوجود ؛ لأنه وجدان له بحاسة الشم { لولا أن تفندون } ، أي : تنسبوني إلى الخرف .

قال أبو بكر الأنباري : أفند الرجل إذا خرف وتغير عقله . وعن الأصمعي إذا كثر كلام الرجل من خرف فهو مفند . قال في «الكشاف » : يقال : شيخ مفنّد ولا يقال : عجوز مفندة ؛ لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأى حتى تفند في كبرها ، وقيل : التفنيد الإفساد يقال : فندت فلاناً إذا أفسدت رأيه ورددته قال بعضهم :

يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي *** فليس ما فات من أمر بمردود