فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ العير } أي : خرجت منطلقة من مصر إلى الشام . يقال : فصل فصولاً ، وفصلته فصلاً ، لازم ومتعدّ ، ويقال : فصل من البلد فصولاً : إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه { قَالَ أَبُوهُمْ } أي : يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله { إِنّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } قيل : إنها هاجت ريح فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة ، فأخبرهم بما وجد ، ثم قال : { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } لولا أن تنسبوني إلى الفند ، وهو ذهاب العقل من الهرم ، يقال : أفند الرجل : إذا خرف وتغير عقله . وقال أبو عبيدة : لولا أن تسفهون ، فجعل الفند السفه . وقال الزجاج : لولا أن تجهلون ، فجعل الفند الجهل ، ويؤيد ذلك قول من قال : إنه السفه قول النابغة :

إلاّ سليمان إذ قال المليك له *** قم في البرية فاحددها عن الفند

أي : امنعها عن السفه . وقال أبو عمرو الشيباني : التفنيد : التقبيح ، ومنه قول الشاعر :

يا صاحبيّ دعا لومي وَتَفنيدي *** فليس ما فات من أمري بمردود

وقيل : هو الكذب ، ومنه قول الشاعر :

هل في افتخار الكريم من أود *** أم هل لقول الصدّيق من فند

وقال ابن الأعرابي : { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } لولا أن تضعفوا رأيي . وروي مثله عن أبي عبيدة . وقال الأخفش : التفنيد : اللوم وضعف الرأي . وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز ، وتضعيف الرأي ، يقال : فنده تفنيداً : إذا عجزه ، وأفند : إذا تكلم بالخطأ ، والفند : الخطأ من الكلام ، ومما يدل على إطلاقه على اللوم قول الشاعر :

يا عاذِلي دعا الملام وأَقصِرا *** طال الهوى وَأطلتُما التفنيدا

أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه ، وأنه لولا ما يخشاه من التفنيد لما شك في ذلك :

فإن الصبا ريح إذا ما تنفست *** على نفس مهموم تجلت همومها

إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني *** نسيم الصبا من حيث ما يطلع الفجر

ولقد تهبّ لي الصبا من أرضها *** فيلذّ مسّ هبوبكم ويطيب

/خ98