تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون94 قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم95 } .

المفردات :

فصلت العير : خرجت القافلة ، يقال : فصل من البلد ، يفصل فصولا ؛ إذا انفصل منه وجاوز حيطانه .

تفندون : تنسبونني إلى الفند وهو الخرف و فساد العقل من الهرم والشيخوخة ، وفي معناه ما قاله ابن عباس : لولا أن تسفهون .

التفسير :

94 { ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون } .

تحركت القافلة من إخوة يوسف ؛ متجهة من أرض مصر إلى العريش ، في طريقها إلى بيت المقدس ، وحين جاوزت العريش ، وانفصلت عن حدود مصر ؛ تحركت الريح فحملت رائحة القميص إلى أنف يعقوب ، وبينهما ثمانون فرسخا أو ثمانية أيام ؛ وأحس يعقوب برائحة القميص ؛ فقال لمن حوله : إني أتنسم الآن رائحة يوسف ، وأثق بوجوده ، وقرب لقائه ، ولولا أن تنسبوني لي ضعف العقل والتخريف ؛ لقلت لكم : إن لقائي بيوسف قد اقترب .

وبعض المفسرين نسب ذلك إلى شدة إحساس يعقوب بولده ؛ فتذكر رائحة قميصه وهو صغير ، أو هو سر من أسرار الروح التي تستشعر عن بعد ما يحدث مع وجود مسافات شاسعة بين الروح وبين الأمر الذي تشعر به .

وفسر آخرون الأمر على أنه : معجزة إلهية لنبي الله يعقوب عليه السلام .

قال الإمام مالك رحمه الله أوصل الله تعالى ريح قميص يوسف ليعقوب ، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان ، قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه .

" وعموما : علينا التسليم بما أخبره القرآن الكريم وهو حق وصدق ، دون البحث في كنهه أو صفته ما دام ذلك داخلا في حيز الإمكان " 44 .

والمعجزة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد مدعي الرسالة ؛ تصديقا له في دعواه ، فيعقوب رسول كريم يسر الله له معرفة الواقع وهو اقتراب القميص ، واقتراب لقاء يوسف عليه السلام .