فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

{ ولما فصلت العير } أي خرجت منطلقة من عريش مصر أو من مصر إلى الشام يقال فصل فصولا وفصلته فصلا لازم ومتعد . ويقال فصل من البلد فصولا إذا انفصل عنه وخرج منه وجاوز حيطانه .

{ قال أبوهم } يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله { إني لأجد ريح يوسف } أي أدركها بحاسة الشم أي أشمها أي ريح الجنة من قميص يوسف عليه السلام فالإضافة لأدنى ملابسة .

قيل إنها هاجت ريح فصفقت القميص روائح الجنة في الدنيا فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة فأخبرهم بما وجد . قال ابن عباس : وجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام ، وقيل من مسيرة عشرة أيام ، وقيل من مسيرة ثمانين فرسخا .

ثم قال { لولا أن تفندون } أي لولا تنسبوني إلى الفند وهو ذهاب العقل من الهرم ، يقال أفند الرجل إذا خرف وتغير عقله قاله مجاهد وقال أبو عبيدة : لولا أن تسفهون فجعل الفند السفه .

وقال الزجاج وابن عباس : لولا أن تجهلون فجعل الفند الجهل ، وقال أبو عمرو الشيباني : التفنيد التقبيح ، وقيل هو الكذب قاله ابن عباس ، وقال ابن الأعرابي : لولا أن تضعفوا رأيي . وروى مثله عن أبي عبيدة ، وقال الأخفش : التفنيد اللوم وضعف الرأي .

وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي يقال فنده تفنيدا إذا أعجزه التعجيز وأفند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ من الكلام . وعن الربيع قال : لولا أن تحمقون أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه وأنه لولا ما يخشاه من التفنيد لما شك في ذلك .

فإن الصبا ريح إذا ما تنفست *** على نفس مهموم تجلت همومها .

إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني *** نسيم الصبا من حيث ما يطلع الفجر .

ولقد تهب لي الصبا من أرضها ***فيلذ مس هبوبها ويطيب .

قيل إن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف عليه السلام قبل أن يأتيه البشير .

قال أهل المعاني : إن الله أوصل إليه ريح يوسف عليه السلام عند انقضاء مدة المحنة من المكان البعيد ، ومنع من وصول خبره إليه مع قرب إحدى البلدتين من الأخرى في مدة ثمانين سنة ، وذلك يدل على أن كل سهل فهو في مدة المحنة صعب وكل صعب فهو في زمان الإقبال سهل .