البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

الفند : الفساد ، قال :

ألا سليمان إذ قال الإله له *** قم في البرية فاحددها عن الفند

وفندت الرجل أفسدت رأيه ورددته قال :

يا عاذليّ دعا لومي وتفيدي *** فليس ما قلت من أمر بمردود

وأفند الدهر فلاناً أفسده .

قال ابن مقبل :

دع الدهر يفعل ما أراد فإنه *** إذا كلف الإفناد بالناس أفندا

{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون .

قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم .

فلما أن جآء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون .

قالوا يأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين .

قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم } : فصل من البلد يفصل فصولاً انفصل منه وجاوز حيطانه ، وهو لازم .

وفصل الشيء فصلاً فرق ، وهو متعد .

ومعنى فصلت العير : انفصلت من عريش مصر قاصدة مكان يعقوب ، وكان قريباً من بيت المقدس .

وقيل : بالجزيرة ، وبيت المقدس هو الصحيح ، لأنّ آثارهم وقبورهم هناك إلى الآن .

وقرأ ابن عباس : ولما انفصل العير ، قال ابن عباس : وجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام ، هاجت ريح فحملت عرفه .

وقال الحسن وابن جريج : من ثمانين فرسخاً ، وكان مدة فراقه منه سبعاً وسبعين سنة .

وعن الحسن أيضاً : وجده من مسيرة ثلاثين يوماً ، وعنه : مسيرة عشر ليال .

وعن أبي أيوب المهروي : أن الريح استأذنت في إيصال عرف يوسف إلى يعقوب ، فأذن لها في ذلك .

وقال مجاهد : صفقت الريح القميص فراحت روائح الجنة في الدنيا ، واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة ، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص .

ومعنى لأجد : لأشم فهو وجود حاسة الشم .

وقال الشاعر :

وإني لأستشفي بكل غمامة *** يهب بها من نحو أرضك ريح

ومعنى تفندون قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : تسفهون .

وعن ابن عباس أيضاً : تجهلون ، وعنه أيضاً : تضعفون .

وقال عطاء وابن جبير : تكذبون .

وقال الحسن : تهرمون .

وقال ابن زيد ، والضحاك ومجاهد أيضاً : تقولون ذهب عقلك وخرفت .

وقال أبو عمرو : تقبحون .

وقال الكسائي : تعجزون .

وقال أبو عبيدة : تضللون .

وقيل : تخطئون .

وهذه كلها متقاربة في المعنى ، وهي راجعة لاعتقاد فساد رأي المفند إما لجهله ، أو لهوى غالب عليه ، أو لكذبه ، أو لضعفه وعجزه لذهاب عقله بهرمه .

وقال منذر بن سعيد البلوطي : يقال شج مفند أي : قد فسر رأيه ، ولا يقال : عجوز مفندة ، لأن المرأة لم يكن لها رأي قط أصيل فيدخله التفنيد .

وقال معناه الزمخشري قال : التفنيد النسبة إلى الفند وهو الخوف وإنكارالعقل ، من هرم يقال : شيخ مفند ، ولا يقال عجوز مفندة ، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فنفند في كبرها ، ولولا هنا حرف امتناع لوجود ، وجوابها محذوف .

قال الزمخشري : المعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني انتهى .

وقد يقال : تقديره لولا أن تفندوني لأخبرتكم بكونه حياً لم يمت ، لأن وجداني ريحه دال على حياته .

والمخاطب بقوله : تفندون ، الظاهر من تناسق الضمائر أنه عائد على من كان بقي عنده من أولاده غير الذين راحوا يمتارون ، إذ كان أولاده جماعة .

وقيل : المخاطب ولد ولده ومن كان بحضرته من قرابته .