التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

واستجاب الإِخوة لتوجيه يوسف ، فأخذوا قميصه وعادوا إلى أوطانهم ويصور القرآن ما حدث فيقول : { وَلَمَّا فَصَلَتِ العير قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } .

و { فَصَلَتِ العير } أى خرجت من مكان إلى مكان آخر . يقال : فصل فلان من بلده كذا فصولاً ، إذا جاوز حدودها إلى حدود بلدة أخرى .

و { تفندون } من الفند وهو ضعف العقل بسبب المرض والتقدم في السن .

والمعنى : وحين غادرت الإِبل التي تحمل إخوة يوسف حدود مصر ، وأخذت طريقها إلى الأرض التي يسكنها يعقوب وبنوه ، قال يعقوب - عليه السلام - لمن كان جالساً معه من أهله وأقاربه ، استمعوا إلى { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } .

أى : رائحته التي تدل عليه ، وتشير إلى قرب لقائى به .

و { لولا } أن تنسبونى إلى الفند وضعف العقل لصدقتمونى فيما قلت ، أو لولا أن تنسبونى إلى ذلك لقلت لكم إنى أشعر أن لقائى بيوسف قد اقترب وقته وحان زمانه .

فجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه .

وقد أشم الله - تعالى - يعقوب - عليه السلام - ما عبق من القميص من رائحة يوسف من مسيرة أيام ، وهى معجزة ظاهرة له - عليه السلام - .

وقال الإِمام مالك - رحمه الله - أوصل الله - ريح قميص يوسف ليعقوب ، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه .