قوله تعالى : { ولقد بوأنا بني إسرائيل } أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، { مبوأ صدق } ، منزل صدق ، يعني : مصر . وقيل الأردن وفلسطين ، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذريته . قال الضحاك : هي مصر والشام ، { ورزقناهم من الطيبات } ، الحلالات ، { فما اختلفوا } يعني اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي ، { حتى جاءهم العلم } ، يعني : القرآن والبيان بأنه رسول الله صدق ودينه حق . وقيل : حتى جاءهم معلومهم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمونه قبل خروجه ، فالعلم بمعنى المعلوم كما يقال للمخلوق : خلق : قال الله تعالى : { هذا خلق الله } [ لقمان-11 ] ، ويقال : هذا الدرهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } ، من الدين .
{ وَلَقَدْ بَوّأْنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مُبَوّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتّىَ جَآءَهُمُ الْعِلْمُ إِنّ رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد أنزلنا بني إسرائيل منازل صدق . قيل : عنى بذلك الشأم وبيت المقدس .
وقيل : عنى به الشام ومصر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : مُبَوّأ صِدْقٍ قال : منازل صدق : مصر والشام .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : مُبَوّأ صِدْقٍ قال : بوأهم الله الشام وبيت المقدس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَلَقَدْ بَوّأنا بني إسْرَائِيلَ مُبَوّأ صِدْقٍ الشام . وقرأ : إلى الأرْض التي بارَكْنا فِيها للعَالَمِينَ .
وقوله : وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطّيّباتِ يقول : ورزقنا بني إسرائيل من حلال الرزق وهو الطيب .
وقوله : فَمَا اخْتَلَفُوا حتى جاءَهُمُ العِلْمُ يقول جلّ ثناؤه : فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل ، حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل أن يبعث محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم مجمعين على نبوّة محمد والإقرار به وبمبعثه غير مختلفين فيه بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم ، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم وآمن به بعضهم ، والمؤمنون به منهم كانوا عددا قليلاً ، فذلك قوله : فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه نبيّا لله ، فوضع العلم مكان المعلوم .
وكان بعضهم يتأوّل العلم ههنا كتاب الله ووحيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَمَا اخْتَلَفُوا حتى جاءَهُمُ العِلُمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ قال : العلم : كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به ، وهل اختلفوا حتى جاءهم العلم بغيا بينهم أهل هذه الأهواء ، هل اقتتلوا إلا على البغي ؟ قال : والبغي وجهان : وجه النفاسة في الدنيا ومن اقتتل عليها من أهلها ، وبغى في العلم يرى هذا جاهلاً مخطئا ويرى نفسه مصيبا عالما ، فيبغي بإصابته وعلمه على هذا المخطىء .
وقوله : إنّ رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل فيك يوم القيامة فيما كانوا فيه من أمري في الدنيا يختلفون ، بأن يدخل المكذّبين بك منهم النار والمؤمنين بك منهم الجنة . فذلك قضاؤه يومئذ فيما كانوا يختلفون من أمر محمد صلى الله عليه وسلم .
{ ولقد بوّأنا } أنزلنا . { بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ } منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر . { ورزقناهم من الطيبات } من اللذائذ . { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها ، أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك .
المعنى لقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار وحللناهم من الأماكن أحسن محل ، و { مبوأ صدق } أي يصدق فيه ظن قاصده وساكنه وأهله ، ويعني بهذه الآية إحلال بلاد الشام وبيت المقدس ، قاله قتادة وابن زيد ، وقيل بلاد مصر والشام ، قاله الضحاك ، والأول أصح بحسب ما حفظ من أنهم لن يعودوا إلى مصر ، على أن القرآن كذلك { وأورثناها بني إسرائيل }{[6227]} يعني ما ترك القبط من جنات وعيون وغير ذلك ، وقد يحتمل أن يكون { أورثناها } [ الشعراء : 59 ] معناه الحالة من النعمة وإن لم يكن في قطر واحد ، وقوله { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } يحتمل معنيين أحدهما فما اختلفوا في نبوة محمد وانتظاره حتى جاءهم وبان علمه وأمره فاختلفوا حينئذ .
قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأولين ، وهذا التأويل يحتاج إلى سند والتأويل الآخر الذي يحتمله اللفظ أن بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أول حاله فلما جاءهم العلم والأوامر وغرق فرعون اختلفوا .
قال القاضي أبو محمد : فمعنى الآية مذمة ذلك الصدر من بني إسرائيل ، ثم أوجب الله بعد ذلك أنه { يقضي بينهم } ويفصل بعقاب من يعاقب ورحمة من يرحم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.