فقال موسى : { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } ، أي أنا خليق بأن لا أقول على الله إلا الحق ، فتكون { على الله إلا الحق } ، فتكون على بمعنى الباء ، كما يقال : رميت بالقوس ورميت عن القوس ، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة ، يدل عليه قراءة أبي والأعمش { حقيق بأن لا أقول ، وقال أبو عبيدة : معناه حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق ، وقرأ نافع ( عليّ ) بتشديد الياء ، أي حق واجب عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق .
قوله تعالى : { قد جئتكم ببينة من ربكم } ، يعني العصا .
قوله تعالى : { فأرسل معي بني إسرائيل } ، أي : أطلق عنهم وخلهم يرجعون إلى الأرض المقدسة ، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ، ونقل التراب ونحوهما .
القول في تأويل قوله تعالى : { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رّبّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ } . .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : حَقِيقٌ عَلى أن لا أقُولَ على اللّهِ إلاّ الحَقّ فقرأه جماعة من قرّاء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة : حَقِيقٌ على أن لا أقُولَ بإرسال الياء من «على » وترك تشديدها ، بمعنى : أنا حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحقّ ، فوجهوا معنى على إلى معنى الباء ، كما يقال : رميت بالقوس وعلى القوس ، وجئت على حال حسنة ، وبحال حسنة . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : إذا قرىء ذلك كذلك ، فمعناه : حريص على أن لا أقول إلا بحقّ . وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة : «حَقِيقٌ عَلىّ أنْ لا أقُولَ » بمعنى : واجب عليّ أن لا أقول ، وحُقّ عليّ أن لا أقول .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب .
وقوله : قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ يقول : قال موسى لفرعون وملئه : قد جئتكم ببرهان من ربكم يشهد أيها القوم على صحة ما أقول وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إليكم رسولاً ، فأرسل يا فرعون معي بني إسرائيل ،
وقوله : { حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق } لعله جواب لتكذيبه إياه في دعوى الرسالة ، وإنما لم يذكر لدلالة قوله { فظلموا بها } عليه وكان أصله { حقيق عليّ أن لا أقول } كما قرأ نافع فقلب لا من الإلباس كقوله : وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر . أو لأن ما لزمك فقد لزمته ، أو للإغراق في الوصف بالصدق ، والمعنى أنه حق واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقا به ، أو ضمن حقيق معنى حريص ، أو وضع على مكان الباء لإفادة التمكن كقولهم : رميت على القوس وجئت على حال حسنة ، ويؤيده قراءة أبي بالباء . وقرئ " حقيق أن لا أقول " بدون { على } . { قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل } فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم ، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال .
قال القاضي أبو محمد : و { حقيق على } هذا معناه جدير وخليق ، وقال الطبري : قال قوم : { حقيق } معناه حريص فلذلك وصلت ب { على } ، وفي هذا القول بعد ، وقال قوم : { حقيق } صفة لرسول تم عندها الكلام ، وعلى خبر مقدم و { أن لا أقول } ابتداء تقدم خبره ، وإعراب { أن } على قراءة من سكن الياء خفض ، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع ، وقال الكسائي في قراءة عبد الله «حقيق بأن لا أقول » ، وقال أبو عمرو في قراءة عبد الله : «حقيق أن أقول » وبه قرأ الأعمش ، وهذه المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الذي أمر عليه السلام به .
وقوله { قد جئتكم ببينة من ربكم } الآية ، البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة هنا أدل ، وهذا من موسى عرض نبوته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدالة على الصدق .
وظاهر الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ، ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل ، وذكره لعله يخشى أو يزكى ويوحد كما يذكر كل كافر ، إذ كل نبي داع إلى التوحيد وإن لم يكن آخذاً به ومقاتلاً عليه ، وأما إن دعاه إلى أن يؤمن ويلتزم جميع الشرع فلم يرد هذا نصاً ، والأمر محتمل ، وبالجملة فيظهر فرق ما بين بني إسرائيل وبين فرعون والقبط ، ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى أبداً ولا عارضهم وكان القبط مثل عبدة البقر وغيرهم وإنما احتاج إلى محاورة فرعون لتملكه على بني إسرائيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.