إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (105)

{ حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق } جوابٌ عما ينساق إليه الذهنُ من حكاية ظلمِهم بالآيات من تكذيبه إياه عليه الصلاة والسلام في دعوى الرسالةِ وكان أصلُه حقيقٌ على أن لا أقول الخ ، كما هو قراءة نافع فقلب للأمن من الإلباس كما في قول من قال : [ الطويل ]

[ ونركب خيلا لا هوادة بينها ]

وتشقى الرماحُ بالضياطرة الحُمُر{[291]} *** . . .

أو لأن ما لزِمك فقد لزِمتَه ، أو للإغراق في الوصف بالصدق ، والمعنى واجبٌ عليّ القولُ الحقُّ أن أكون أنا قائلُه لا يَرضَى إلا بمثلي ناطقاً به ، أو ضُمّن حقيقٌ معنى حريص ، أو وُضِعَ على موضعَ الباءِ لإفادة التمكنِ كقولهم : رميتُ على القوس وجئتُ على حال حسنةٍ ، ويؤيده قراءة أبي بالباء وقرىء حقيق أن لا أقول وقوله تعالى : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ من رَّبّكُمْ } استئنافٌ مقرِّرٌ لما قبله من كونه رسولاً من رب العالمين وكونِه حقيقاً بقول الحقِّ ولم يكن هذا القول منه عليه الصلاة والسلام وما بعده من جواب فرعون إثرَ ما ذكر هاهنا بل بعد ما جرى بينهما من المحاورة المحكيةِ بقوله تعالى : { قَالَ فَمَن ربُّكُمَا } الآيات ، وقوله تعالى : { وَمَا رَبُّ العالمين } الآيات ، وقد طُوي هاهنا ذكرُه للإيجاز ، ومِنْ متعلقة إما بجئتُكم على أنها لابتداء الغايةِ مجازاً وإما بمحذوف وقع صفةً لبينة مفيدةً لفخامتها الإضافية المؤكدةِ لفخامتها الذاتية المستفادةِ من التنوين التفخيمي ، وإضافةُ اسمِ الرب إلى المخاطبين بعد إضافتِه فيما قبله إلى العالمين لتأكيد وجوبِ الإيمان بها { فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إسراءيل } أي فخلّهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسةِ التي هي وطنُ آبائِهم وكان قد استعبدهم بعد انقراضِ الأسباطِ يستعملهم ويكلفهم الأفاعيلَ الشاقة فأنقذهم الله تعالى بموسى عليه الصلاة والسلام وكان بين اليوم الذي دخل يوسفُ مصرَ واليومِ الذي دخله موسى عليهما السلام أربعُمائة عام ، والفاءُ لترتيب الإرسالِ أو الأمرِ به على ما قبله من رسالته عليه السلام ومجيئِه بالبينة .


[291]:البيت لخداش بن زهير في الأضداد 153؛ وأمالي المرتضي 1/466؛ ولسان العرب (ضطر)؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/323؛ والصاحبي في فقه اللغة ص 203. والضياطرة: الضخام الذين لا غناء عندهم. والمراد على القلب أن الضياطرة الحمر تشقى بالرماح فيقتلون بها.