فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (105)

{ حقيق } جدير { على أن } بأن أي { لا أقول على الله إلا } القول { الحق } قيل في توجيه هذه القراءة إن على بمعنى الباء كما سبق . ويؤيده قراءة أبي والأعمش فإنهم قرآ { حقيق بأن لا أقول } وقيل إن حقيق مضمن معنى حريص وقيل إنه لما كان لازما للحق كان الحق لازما له فقول الحق حقيق عليه ، وهو حقيق على قول الحق .

وقيل : إنه أغرق في وصف نفسه في ذلك المقام حين جعل نفسه حقيقة على قول الحق كأنه وجب على الحق أن يكون موسى هو قائله ، وقرئ على أي واجب على ولازم لي أن لا أقول فيما أبلغكم عن الله إلا القول الحق ، وقرئ { حقيق أن لا أقول } بإسقاط على ومعناها واضح والاستثناء مفرغ .

ثم قال بعد هذا { قد جئتكم ببينة من ربكم } أي بما يتبين به صدقي وإني رسول من رب العالمين ، والمراد بها معجزته وهي العصا واليد البيضاء . وقد طوى هنا ذكر ما دار بينهما من المحاورة كما في موضع آخر أنه قال فرعون { فمن ربكما يا موسى } ثم قال بعد جواب موسى { وما رب العالمين } الآيات الحاكية لما دار بينهما .

{ فأرسل معي بني اسرئيل } أمره أن يدعهم يذهبون معه ويرجعون إلى أوطانهم وهي الأرض المقدسة وقد كانوا بانين لديه مستعبدين ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها .

وكان سبب سكناهم بمصر مع أن أباهم كان بالأرض المقدسة أن الأسباط أولاد يعقوب جاؤوا مصر إلى أخيهم يوسف فمكثوا وتناسلوا في مصر ، فلما توفي يوسف غلب فرعون على نسل الأسباط واستعبدهم واستعملهم في الأعمال الشاقة ، فأحب موسى أن يخلصهم من هذا الأسر ويذهب بهم إلى أرض الشام التي هي وطن آبائهم فأنقذهم الله بموسى وكان بين اليوم الذي دخل يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام .