تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (105)

الآية 105 وقوله تعالى : { حقيق على أن لا أقول إلا الحق } قال أهل التأويل : إن موسى لما قال لفرعون : { إني رسول من رب العالمين } فقال له : كذبت ، فعند ذلك قال له موسى : /182-أ/ { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } وأمكن أن يكون ذلك منه على غير تكذيب القول من فرعون ، ولكنه قال ذلك لما أنه حقيق على كل واحد ، أكرمه الله بالرسالة ، واختاره لها ، ألا يقول على الله إلا الحق ، أو أن يقول : { إني رسول من رب العالمين } { حقيق على أن } [ ما ]{[8752]} أكرمني بالرسالة { لا أقول على الله إلا الحق } .

وقوله تعالى : { حقيق على أن لا أقول إلا الحق } قد ذكرنا على أنه لا يصح الابتداء بهذا إلا بعد أن يسبق من فرعون كلام ، خرج هذا الكلام من موسى جوابا لما كان منه ؛ وهو ما قال أهل التأويل : إنه{[8753]} قال له [ لمّا قال : { إني رسول من رب العالمين } إليك : كذبت ، لم يرسلك إلينا ، أو كلام نحو هذا .

فعند ذلك قال : { حقيق على أن لا أقول إلا الحق } وهو{[8754]} [ كما قال عيسى : { سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } لما قال له : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ] كان ذلك القول من عيسى لما ادّعى قومه على عيسى أنه قال لهم ذلك .

وكذلك قول الملائكة { سبحانك أنت وليّنا من دونهم } [ سبأ : 41 ] بعد ما قال لهم : { أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } [ سبأ : 40 ] فعند ذلك { قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم } خرج ذلك القول منهم جواب ما تقدم .

فعلى ذلك قول موسى : { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } على تقدم قول كان منهم ، والله أعلم .

ومن قرأ : { حقيق على أن أقول على الله إلا الحق } فتأويله : [ أنا حقيق بألاّ ]{[8755]} أقول على الله إلا الحق .

ومن قرأ بتشديد علي{[8756]} فتأويله : حق عليّ بألا أقول على الله إلا الحق .

وقوله تعالى : { قد جئتكم ببيّنة من ربكم } يحتمل { ببيّنة من ربكم } ما يبيّن وحدانية الله وألوهيته ، ويحتمل ببيّنة الرسل له ما يبين أني { رسول من رب العالمين } [ الأعراف : 104 ] غير كاذب عليه ، ولا مفتر .

وقوله تعالى : { فأرسل معي بني إسرائيل } أي لا تستعبدهم فإنهم ليسوا بعبيد . لم يرد إرسالهم معه ، ولكن طلب استنقاذهم من العبودية كقوله تعالى : { عبّدت بني إسرائيل } [ الشعراء : 22 ] .


[8752]:من م، ساقطة من الأصل.
[8753]:في الأصل وم: إن.
[8754]:ساقطة من م.
[8755]:في الأصل: للحوق على، في م، لمحقوق على.
[8756]:انظر معجم القراءات القرآنية [2/385].