معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (89)

قوله تعالى : { قال } الله تعالى لموسى وهارون ، { قد أجيبت دعوتكما } ، إنما نسب إليهما والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن ، والتأمين دعاء . وفي بعض القصص : كان بين دعاء موسى وإجابته أربعون سنة . { فاستقيما } ، على الرسالة والدعوة ، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب { ولا تتبعان } ، نهي بالنون الثقيلة ، ومحله جزم ، يقال في الواحد لا تتبعن بفتح النون لالتقاء الساكنين ، وبكسر النون في التثنية لهذه العلة . وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التوكيد تثقل وتخفف ، { سبيل الذين لا يعلمون } ، يعني : ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فإن وعدي لا خلف فيه ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (89)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتّبِعَآنّ سَبِيلَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } .

وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهارون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم . يقول جلّ ثناؤه : قَالَ الله لهما قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما في فرعون وملئه وأموالهم .

فإن قائل قائل : وكيف نسبت الإجابة إلى اثنين والدعاء إنما كان من واحد ؟ قيل : إن الداعي وإن كان واحدا فإن الثاني كان مؤمنا وهو هارون ، فلذلك نسبت الإجابة إليهما ، لأن المؤمّن داعٍ . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن عكرمة في قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : كان موسى يدعوا وهارون يؤمّن ، فذلك قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .

وقد زعم بعض أهل العربية أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين ، وأنشد في ذلك :

فَقُلْتُ لِصَاحِبي لا تُعْجِلانا *** بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزّ شِيحَا

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زكريا بن عديّ ، عن ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح قال : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : دعا موسى ، وأمّن هارُون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وزيد بن حباب ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .

قال : حدثنا أبو معاوية ، عن شيخ له ، عن محمد بن كعب ، قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : دعا موسى ، وأمّن هارون .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، وعبد الله بن أبي جعفر ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، قال : دعا موسى وأمّن هارون ، فذلك قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن عكرمة في قوله : قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمّن ، فذلك قوله قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما لموسى وهارون . قال ابن جريج : قال عكرمة : أمّن هارون على دعاء موسى ، فقال الله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فاسْتَقِيما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان هارون يقول : آمين ، فقال الله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فصار التأمين دعوة صار شريكه فيها .

وأما قوله : فاسْتَقِيما فإنه أمر من الله تعالى لموسى وهارون بالاستقامة والثبات على أمرها من دعاء فرعون وقومه إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته ، إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجابهما فيه . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : فاسْتَقِيما : فامضيا لأمري ، وهي الاستقامة .

قال ابن جريج يقولون : إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة .

وقوله : وَلا تَتّبِعانِ سَبِيلَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يقول : ولا تسلكان طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فتستعجلان قضائي ، فإن وعدي لا خالف له ، وإن وعيدي نازل بفرعون وعذابي واقع به وبقومه .