قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } قرأ أبو جعفر { ما كذب } بتشديد الذال ، أي : ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بعينه تلك الليلة ، بل صدقه وحققه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه ، يقال : كذبه إذا قاله له : الكذب ، وصدقه إذا قال له : الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى ، واختلفوا في الذي رآه ، فقال قوم : رأى جبريل ، وهو قول ابن مسعود وعائشة .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص هو ابن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال :{ ما كذب الفؤاد ما رأى } قال : رأى جبريل وله ستمائة جناح . وقال آخرون : هو الله عز وجل . ثم اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده ، وهو قول ابن عباس .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس :{ ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى } قال : رآه بفؤاده مرتين . وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية . وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن عامر عن مسروق قال : قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قف له شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ؟ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }( الأنعام-103 ) ، { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب }( الشورى-51 ) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } ( لقمان-34 ) ومن حدثك أنه كتم شيئاً فقد كذب ، ثم قرأت : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }( المائدة-67 ) الآية ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه " .
وقوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى يقول تعالى ذكره : ما كذّب فؤاد محمد محمدا الذي رأى ، ولكنه صدّقه .
واختلف أهل التأويل في الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه ، فقال بعضهم : الذي رآه فؤاده ربّ العالمين ، وقالوا جعل بصره في فؤاده ، فرآه بفؤاده ، ولم يره بعينه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثني عمي سعيد عبد الرحمن بن سعيد ، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأى قال : رآه بقلبه صلى الله عليه وسلم .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبر عباد ، يعني ابن منصور ، قال : سألت عكرمة ، عن قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : أتريد أن أقول لك قد رآه ، نعم قد رآه ، ثم قد رآه ، ثم قد رآه حتى ينقطع النفس .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عيسى بن عبيد ، قال : سمعت عكرِمة ، وسُئل هل رأى محمد ربه ، قال نعم ، قد رأى ربه .
قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا سالم مولى معاوية ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا أحمد بن عيسى التميمي ، قال : حدثنا سليمان بن عمرو بن سيار ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن زربي عن عمرو بن سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأَيْتُ رَبِي فِي أحْسَنَ صُورَةٍ » فَقالَ لِي : يا مُحَمّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصمُ المَلأُ الأَعْلَى ؟ فَقُلْتُ «لا يا رَبّ فَوَضَعَ يَدَهُ بَينَ كَتِفَيّ ، فَوَجَدْتُ بَرْدَها بَينَ ثَدْييّ فَعَلِمْت ما في السّماءِ والأرْضِ » فَقُلْتُ : «يا رَبّ فِي الدّرَجاَتِ والكَفّارَاتِ وَنَقْلِ الأقْدَام إلى الجُمُعاتِ ، وَانْتِظارِ الصّلاةِ بَعْد الصّلاةِ » ، فَقُلْتُ : «يا رَبّ إنّكَ اتّخَذْتَ إبْرَاهِيمِ خَلِيلاً ، وكَلّمْتَ مُوسَى تَكْلِيما ، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ؟ » فَقال : ألمْ أشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ ؟ ألمْ أضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ ؟ ألمْ أفْعَلْ بِكَ ؟ ألْم أفْعَلْ . قال : «فأفْضَى إليّ بأشْياءَ لَمْ يُؤْذَنْ لي أنْ أُحَدّثْكُمُوها » قال : «فَذلكَ قَوْلُهُ فِي كِتابِهِ يُحُدّثْكُمُوهُ » : ثُمّ دَنا فَتَدلى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى ، فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى . ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى ، «فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي ، فَنَظَرْت إلَيْهِ بِفُؤَادِي » .
حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام ، قالا : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رآه مرّتين بفؤاده .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخُلّة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا بالرؤية صلوات الله عليهم .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن زياد بن الحصين ، عن أبي العالية عن ابن عباس ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رآه بفؤاده .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عمن سمع ابن عباس يقول ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى محمد ربه .
قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ فلم يكذّبه ما رأَى قال : رأى ربه .
قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال رأى محمد ربه بفؤاده .
وقال آخرون : بل الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه جبريل عليه السلام . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن بزيع البغدادي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ ، قال : حدثنا عمرو بن عاصم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم عن رزّ ، عن عبد الله ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناح ، يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التّهاوِيلَ الدّرّ والياقُوتَ » .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، وإبراهيم بن يعقوب ، قالا : حدثنا زيد بن الحباب ، أن الحسين بن واقد ، حدثه قال : حدثني عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناحٍ » زاد الرفاعيّ في حديثه ، فسألت عاصما عن الأجنحة ، فلم يخبرني ، فسألت أصحابي ، فقالوا : كلّ جناح ما بين المشرق والمغرب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى جبريل في صورته التي هي صورته ، قال : وهو الذي رآه نزلة أُخرى .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة كَذَبَ بالتخفيف ، غير عاصم الجحدري وأبي جعفر القارىء والحسن البصري فإنهم قرأوه «كذّب » بالتشديد ، بمعنى : أن الفؤاد لم يكذّب الذي رأى ، ولكنه جعله حقا وصدقا ، وقد يحتمل أن يكون معناه إذا قرىء كذلك : ما كذّب صاحب الفؤاد ما رأى . وقد بيّنا معنى من قرأ ذلك بالتخفيف .
والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، والأخرى غير مدفوعة صحتها لصحة معناها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.