معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } . يعني التوراة .

قوله تعالى : { والفرقان } . قال مجاهد : هو التوراة أيضاً ذكرها باسمين ، وقال الكسائي : الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة ، يعني : الكتاب الفرقان . أي المفرق بين الحلال والحرام ، وقال يمان بن ريان : أراد بالفرقان انفراق البحر . كما قال ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم ) .

قوله تعالى : { لعلكم تهتدون } . بالتوراة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

خامساً - نعمة إيتاء موسى التوراة لهدايتهم :

ثم ذكرهم - سبحانه – بنعمة خامسة فيها صلاح أمورهم ، وانتظام شئونهم ألا وهي إعطاء نبيهم موسى - عليه السلام - التوراة ، فقال تعالى :

{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب . . . } .

معنى الآية الكريمة : اذكروا بابني إسرائيل نعمة إعطاء نبيكم موسى - عليه السلام - التوراة ، وفيها الشرائع والأحكام ، لكي تهتدوا بها إلى طريق القلاح والرشاد في الدنيا ، وإلى الفوز بالسعادة في الآخرة .

فالمراد بالكتاب التوراة التي أوتيها موسى - عليه السلام - فأل للعهد .

والفرقان - بضم الفاء - مأخوذ من الفرق وهو الفصل ، استعير لتمييز الحق من الباطل ؛ وقد يطلق لفظ الفرقان على الكتاب السماوي المنزل من عند الله كما في قوله تعالى : { تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ } كما يطلق على المعجزة كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان } أي المعجزات لأن هارون لم يؤت وحياً .

والمراد بالفرقان هنا التوراة نفسها ويكون المراد بالعطف التفسير .

قال ابن جرير ما ملخصه : ( وأولى الأقوال بتأويل الآية ما روى عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد ، من أن الفرقان الذي ذكر الله تعالى أنه آتاه موسى في هذا الموضع ، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل وهو نعت للتوراة وصفة لها ، فيكون تأويل الآية حينئذ : وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح ، وفرقنا بها بين الحق والباطل . فيكون الكتاب نعتاً للتوراة ، أقيم مقامها استغناء به عن ذكر التوراة ثم عطف عليه بالفرقان ، إذ كان من نعتها ) .

وقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بيان لثمرة المنة والنعمة بإيتاء التوراة ؛ لأن إتيان موسى الكتاب والفرقان ، المقصود منه هدايتهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .

ولكن ماذا كان موقف بني إسرائيل من التوراة التي أنزلها الله لهدايتهم وسعادتهم ؟ كان موقفهم منها - كما هي عادتهم - موقف الجاحد لنعم الله فقد امتدت أيديهم الأثيمة إليها فحرفوها كما شاءت لهم أهواؤهم وشهواتهم ولقد وبخهم القرآن الكريم على ذلك ، وشبههم في تركهم العمل بها وعدم انتفاعهم بما فيها ، بالحمار الذي يحمل كتب العلم ولكنه لا يدري ما فيها .

فقال تعالى في سورة الجمعة : { مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } حملوا التوراة : أي علموها وكلفوا العمل بها ، ثم لم يحملوها : أي : لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما اشتملت عليه . والأسفار : جمع سفر وهو الكتاب الكبير ، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ .

ومعنى الآية الكريمة : مثل هؤلاء اليهود الذين علموا التوراة وكلفوا العمل بأحكامها ولكنهم لم يعملوا بها ، مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب ولكنه لا يدري ما فيها ، ولا يناله من حملها إلا التعب ، بئس مثلا مثل هؤلاء اليهود الذين كذبوا بآيات الله التي تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وتذر صفاته التي لا تنطبق إلا عليه ، وقد جرت سنة الله - تعالى - في خلقه ألا يهدي إلى طريق الحق أمثال هؤلاء القوم الظالمين ، لأنهم استحيوا العمى على الهدى ، وباعوا دينهم بدنياهم .

قال صاحب الكشاف : " شبه الله - تعالى - اليهود ي أنهم حملة التوراة وقراؤها ، وحفاظ ما فيها ثم إنهم غير عاملين بها ، ولا منتفعين بآياتها وذلك أن فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به ، ولم يؤمنوا به - شبههم بالحمار يحمل أسفاراً ، أي : كتباً من كتب العلم ، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل ، فهذا مثله وبئس المثل " .

وقال الإِمام ابن القيم : " شبه الله - تعالى - من حمله كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ، ثم خالف ذلك ، ولم يحمله إلا على ظهر قلب ، فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ، ولا تحكيم لنصوصه ، شبهه - بحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها ، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا ، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره ، فهذا المثل ، وإن كان قد ضرب لليهود ، فهو متناول من حيث المعنى ، لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ، ولم يرعه حق رعايته " .

ومن هذا نرى أن اليهود قد أنعم الله عليهم بالتوراة ، وجعلها نوراً وهدى لهم ، ولكنهم تركوها ، ولم يعملوا بما فيها ، واستحبوا العمى على الهدى ، { فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 53 )

قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } ، { إذ } عطف على ما ذكر من النعم ، و { الكتاب } هو التوراة بإجماع من المتأولين .

واختلف في { الفرقان } هنا فقال الزجاج وغيره هو التوراة أيضاً كرر المعنى لاختلاف اللفظ ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل ، ولفظة الكتاب لا تعطي ذلك( {[605]} ) .

وقال آخرون : { الكتاب } التوراة ، و { الفرقان } سائر الآيات التي أوتي موسى صلى الله عليه وسلم ، لأنها فرقت بين الحق والباطل .

وقال آخرون : { الفرقان } : النصر الذي فرق بين حالهم وحال آل فرعون بالنجاة والغرق .

وقال ابن زيد : «الفرقان انفراق البحر له حتى صار فرقاً » .

وقال الفراء وقطرب : معنى هذه الآية : آتينا موسى الكتاب ومحمداً الفرقان .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا ضعيف( {[606]} ) .

و { لعلكم تهتدون } ترج وتوقع مثل الأول( {[607]} ) .


[605]:- هذا هو الحق الظاهر لقوله تعالى: [ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين] وما قاله ابن زيد ضعيف لأن فرق البحر سبق في قوله تعالى: [وإذ فرقنا بكم البحر] الآية.
[606]:- أي لأنه دليل على المحذوف، ولأن الأصل في العطف المشاركة في الحكم إذا كان العطف بالحروف المشاركة، ولأن الفرقان لا يختص بالقرآن.
[607]:- المقرر عند النحاة أنه إن كان متعلق لعل محبوبا كانت للترجي، وإن كان مكروها كانت للتوقع، والشكر والهداية هنا من الأمور المحبوبة، فينبغي أن يعبر هنا بالترجي. قاله أبو (ح). "البحر المحيط" 1/203.