الفرقان : مصدر فرق ، وتقدّم الكلام في فرق .
{ وإذ آتينا موسى الكتاب } : هو التوراة بإجماع المفسرين .
{ والفرقان } : هو التوراة ، ومعناه أنه آتاه جامعاً بين كونه كتاباً وفرقاناً بين الحق والباطل ، ويكون من عطف الصفات ، لأن الكتاب في الحقيقة معناه : المكتوب ، قاله الزجاج ، واختاره الزمخشري ، وبدأ بذكره ابن عطية قال : كرر المعنى لاختلاف اللفظ ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل ، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك ، أو الواو مقحمة ، أي زائدة ، وهو نعت للكتاب ، قال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام***
قاله الكسائي ، وهو ضعيف ، وإنما قوله ، وابن الهمام ، وليث : من باب عطف الصفات بعضها على بعض .
ولذلك شرط ، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني ، أو النصر ، لأنه فرق بين العدوّ والولي في الغرق والنجاة ، ومنه قيل ليوم بدر : يوم الفرقان ، قاله ابن عباس ، أو سائر الآيات التي أوتي موسى على نبينا وعليه السلام من العصا واليد وغير ذلك ، لأنها فرقت بين الحق والباطل ، أو الفرق بين الحق والباطل ، قاله أبو العالية ومجاهد ، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام ، أو البرهان الفارق بين الكفر والإيمان ، قاله ابن بحر وابن زيد ، أو الفرج من الكرب لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، ومنه قوله تعالى :
{ يجعل لكم فرقاً } أي فرجاً ومخرجاً .
وهذا القول راجع لمعنى النصر أو القرآن .
والمعنى أن الله آتى موسى ذكر نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم حتى آمن به ، حكاه ابن الأنباري ، أو القرآن على حذف مفعول ، التقدير : ومحمداً الفرقان ، وحكي هذا عن الفراء وقطرب وثعلب ، وقالوا : هو كقول الشاعر :
ورد هذا القول مكي والنحاس وجماعة ، لأنه لا دليل على هذا المحذوف ، ويصير نظير : أطعمت زيداً خبزاً ولحماً ، ويكون : اللحم أطعمته غير زيد ، ولأن الأصل في العطف أنه يشارك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم السابق ، إذا كان العطف بالحروف المشتركة في ذلك ، وليس مثل ما مثلوا به من : وزججن الحواجب والعيون ، لما هو مذكور في النحو .
وقد جاء : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء } وذكروا جميع الآيات التي آتاها الله تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل ، أو انفراق البحر ، قاله يمان وقطرب ، وضعف هذا القول بسبق ذكر فرق البحر في قوله : { إذ فرقنا } ، وبذكر ترجية الهداية عقيب الفرقان ، ولا يليق إلا بالكتاب .
وأجيب بأنه ، وإن سبق ذكر الانفلاق ، فأعيد هنا ونص عليه بأنه آية لموسى مختصة به ، وناسب ذكر الهداية بعد فرق البحر لأنه من الدلائل التي يستدل بها على وجود الصانع وصدق موسى على نبينا وعليه السلام ، وذلك هو الهداية ، أو لأن المراد بالهداية النجاة والفوز ، وبفرق البحر حصل لهم ذلك فيكون قد ذكر لهم نعمة الكتاب الذي هو أصل الديانات لهم ، ونعمة النجاة من أعدائهم .
فهذه اثنتا عشرة مقالة للمفسرين في المراد بالفرقان هنا .
{ لعلكم تهتدون } : ترجية لهدايتهم ، وقد تقدم الكلام في لعل .
وفي لفظ ابن عطية في لعل هنا ، وفي قوله قيل : { لعلكم تشكرون } ، أنه توقع ، والذي تقرر في النحو أنه إن كان متعلق لعل محبوباً ، كانت للترجي ، فإن كان محذوراً ، كانت للتوقع ، كقولك : لعل العدو يقدم .
والشكر والهداية من المحبوبات ، فينبغي أن لا يعبر عن معنى لعل هنا إلا بالترجي .
قال القشيري : فرقان هذه الأمة الذي اختصوا به نور في قلوبهم ، يفرقون به بين الحق والباطل : استفت قلبك ، اتقوا فراسة المؤمن .
المؤمن ينظر بنور الله { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاً } ، وذلك الفرقان ما قدموه من الإحسان ، انتهى كلامه .
وناسب ترجي الهداية إثر ذكر إتيان موسى الكتاب والفرقان ، لأن الكتاب به تحصل الهداية { إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور } { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى } { وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.