معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

وقوله : { وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون }

ففيه وجهان :

أحدهما - أن يكون أراد { وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتَابَ } يعنى التوراة ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم { الْفُرْقَانَ } ، { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون } . وقوله : { وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتَابَ } كأنّه خاطبهم فقال : قد آتيْناكم علمَ موسى ومحمد عليهما السلام " لعلكم تهتدون " ؛ لأن التوراة أُنزلت جملةً ولم تنزل مُفرّقة كما فُرّق القرآن ؛ فهذا وجه . والوجه الآخر - أن تجعل التوراة هدىً والفرقان كمثله ، فيكون : ولقدْ آتَيْنا موسى الهُدى كما آتينا مُحَمّدا صلى الله عليه وسلم الهدى . وكلُّ ما جاءت به الأنبياء فهو هُدىً ونورٌ . وإنّ العرب لتجمعُ بين الحرفَيْن وإنّهما لواحِدٌ إّذا اختلف لفظاهما ؛ كما قال عَدِىّ بن زيد :

وقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيْهِ *** وأَلْفى قَوْلَها كذِباً ومَيْنا

وقولهم : بُعْداً وسُحْقاً ، والبُعد والسُّحق واحدٌ ، فهذا وجهٌ آخرُ . وقال بعض المفسِّرين : الكتابُ التّوراةُ ، والفُرقان انْفِراقُ البحر لبنى إسرائيل . وقال بعضهم : الفرقان الحَلالُ والحرامُ الذِي في التَّوراة .