" الكِتَاب " و " الفُرْقان " مفعول ثان ل " آتَيْنَا " .
وهل المراد بالكتاب والفرقان شيء واحد ، وهو التوراة ؟
كأنه قيل : الجامع بين كونه كتاباً مُنَزَّلاً ، وفرقاناً يفرِّق بَيْن الْحَقِّ والْبَاطل ، نحو : رَأَيْتُ الغَيْثَ واللَّيْثَ ، وهو مِنْ باب قوله : [ المتقارب ]
491- إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ *** . . . {[1321]}
أو لأنهم لمَّا اختلف اللفظ ، جاز ذلك ؛ كقوله : [ الوافر ]
492- فَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْه *** وَأَلْفى قَوْلَهَا كَذِباً وَمَيْنَا{[1322]}
493- . . . *** وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ{[1323]}
وقوله عنترة{[1324]} : [ الكامل ]
494- . . . *** أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَمِ{[1325]}
قال النحاس{[1326]} : " هذا إنما يجوز في الشِّعر ، فالأحسن أن يراد بالفُرْقَانِ ما علَّمه الله موسَى من الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل " .
وقيل : " الواو زائدة " ، و " الفرقان " نعت للكتاب أو " الكتابُ " التوراةُ ، و " الفرقان " ما فرِّق به بين الكُفْرِ والإيمان ، كالآيات من نحو : العَصَا واليَدِ أو ما فرّق به بين الحلال والحرام من الشرائع .
و " الفُرْقَان " في الأَصل مصدر مثل الغُفْرَان .
وقد تقدّم معناه في { فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } [ البقرة : 50 ] .
وقيل : " الفُرقَانُ " هنا اسم للقرآن ، قالوا : والتقدير : ولقد آتينا موسى الكتاب ، ومحمّداً الفرقان .
قال النحاس{[1327]} : هذا خطأ في الإعراب والمعنى ، أمّا الإعراب فلأن المعطوف على الشيء مثله ، وهذا يخالفه ، وأمّا المعنى فلقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ } [ الأنبياء : 48 ] . وقال قُطْرب وزيد : " الفُرْقَانُ انْفِرَاقُ البَحْرِ له " .
فإن قلت : هذا مذكور في قوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } وأيضاً قوله بعد ذلك : " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " لا يليق إلاّ بالكتاب ؛ لأن ذلك لا يذكر إلا عقيب الهدى ، فالجواب عن الأولى أنه تعالى لم يبين في قوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } أن ذلك كان لأجل موسى عليه السلام ، وفي هذه الآية بَيّن ذلك بالتنصيص .
وعن الثاني : أن فَرْقَ البحر كان من الدَّلائل فلعلّ المُرَاد : آتينا موسى الكتاب ليستدلُّوا بذلك على وجود الصانع ، وصدق موسى عليه السَّلام ، وذلك هو الهِدَايَةُ ، وأيضاً فالهدى قد يُرَادُ به الفَوْزُ والنَّجَاة ولم يُرَدْ به الدلالة ، فكأنه تعالى بيّن أنه أتاهم الكتاب نعمةً من الدين والفرقان الذي جعل به نجاتهم من الخَصْمِ نعمةً عاجلةً .
وقيل : الفرقان : الفَرَجُ من الكَرْب ؛ لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، { إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [ الأنفال : 29 ] أي : فَرَجاً ومَخْرَجاً وقيل : الحجّة والبَيَان ، قاله ابن بحر .
وقيل : الفُرْقَان الفَرْقُ بينهم وبين قوم فرعون ، أنجى هؤلاء ، وغرق أولئك ، ونظيره يوم الفُرْقَان ، فقيل يعني به يوم بدر .
استدلت المعتزلة بقوله : " لعلكْم تهتدون " على أن الله أراد الاهتداء من الكُلّ ، وذلك يبطل قول من يقول : أراد الكُفْرَ من الكافر . وأيضاً إذا كان هداهم أنه تعالى لم يخلق الاهتداء ممن يهتدي ، والضلال ممن يضل ، فما الفائدة في إنزال الكتاب والفرقان ، ولقوله : " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ومعلوم أن الاهتداء إذا كان يخلقه ، فلا تأثير لإنزال الكتب فيه لو كان الاهتداء [ ولا كتاب لحصل ]{[1328]} الاهتداء ، ولو أنزل الكتاب ، ولم يخلق الاهتداء فيهم لما حصل الاهتداء ، فيكف يجوز أن يقول : أنزلت [ الكتاب ]{[1329]} لكي تهتدوا ؟ وقد تقدّم مثل [ هذا ]{[1330]} الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.