معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

قوله تعالى : { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } أي : الأصنام ، يرجون نصرها ونفعها ، { كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } لنفسها تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حراً ولا برداً ، وكذلك الأوثان لا تملك لعابديها نفعاً ولا ضراً . { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

ثم ضرب الله مثلا ، لمن يتخذ آلهة من دونه : وتوعد من يفعل ذلك بأشد أنواع العذاب ، فقال - تعالى - { مَثَلُ الذين اتخذوا . . . إِلاَّ العالمون } .

والمثَل والمِثْل : النظير والشبيه ، ثم أطلق المثل على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده - وهو الذى ورد فيه أولا - ولا يكون إلا فيما فيه غرابة - ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة ، إذا كان لها شأن عجيب ، وفيها غرابة . وعلى هذا المعنى يحمل المثل هنا .

وإنما تضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى ، وتقريب الشئ المعقول من الشئ المحسوس ، وعرض الغائب فى صورة الحاضر ، فيكون المعنى الذى ضرب له المثل ، أوقع فى القلوب ، وأثبت فى النفوس .

والعنكبوت : حشرت معروفة ، تنسج لنفسها فى الهواء بيتا رقيقا ضعيفا ، لا يغنى عنا شيئا ، وتطلق هذه الكلمة على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والغالب فى استعمالها التأنيث . والواو والتاء زائدتان ، كما فى لفظ طاغوت .

والمعنى : حال هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله - تعالى - أصناماً يعبدونها ، ويرجون نفعها وشفاعتها . . كحال العنكبوت فى اتخاذها بيتاً ضعيفاً مهلهلاً ، لا ينفعها لا فى الحر ولا فى القر ، ولا يدفع عنها شيئاً من الأذى .

فالمقصود من المثل تجهيل المشركين وتقريعهم ، حيث عبدوا من دون الله - تعالى - آلهة ، هى فى ضعفها ووهنا تشبه بيت العنكبوت ، وأنهم لو كانوا من ذوى العلم لما عبدوا تلك الآلهة .

قال صاحب الكشاف : الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً ومتعمداً فى دينهم ، وتولوه من دون الله ، بما هو مثل عند الناس فى الوهن وضعف القوة . وهو نسج العنكبوت . ألا ترى غلى مقطع التشبيه ، وهو قوله : { وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت } .

فإن قلت : ما معنى قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } وكل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت ؟ قلت : معناه ، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن . .

وقال الآلوسى : قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أى : لو كانوا يعلمون شيئاً من الأشياء ، لعلموا أن هذا مثلهم ، أو أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن . و " لو " شرطية ، وجوابها محذوف ، وجوز بعضهم كونها لللتمنى فى جواب لها ، وهو غير ظاهر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، يرجون نصرهم ورزقهم ، ويتمسكون بهم في الشدائد ، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه{[22591]} فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت ، فإنه لا يجدي عنه شيئا ، فلو عَلموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء ، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله ، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك{[22592]} بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، لقوتها وثباتها .

ثم قال تعالى متوعدا لِمَنْ عبد غيره وأشرك به : إنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال ، ويعلم ما يشركون به من الأنداد ، وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم .


[22591]:- في ت : "وذهابه".
[22592]:- في ف : "متمسك".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

شبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك ب { العنكبوت } التي تبني وتجتهد وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة أذهبته فكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد ، ومن حديث ذكره النقاش «العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه »{[9254]} ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : «طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر » ، وقوله { لو كانوا يعلمون } ، أي { يعلمون } أن هذا مثلهم وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحال{[9255]} .


[9254]:أخرجه أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد بلفظ (العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها)، (فتح القدير، والدر المنثور).
[9255]:يرى الزمخشري أن الغرض من التشبيه هو تشبيه المتخذ بالبيت، لا تشبيه المتخذ بالعنكبوت، وعلق عليه أبو حيان بقوله: والذي يظهر هو تشبيه المتخذ من دون الله وليا بالعنكبوت المتخذة بيتا، أي: فلا اعتماد للمتخذ على وليه من دون الله، كما أن العنكبوت لا اعتماد لها على بيتها في استظلال وسكنى، بل لو دخلت فيه خرقته، وقال الفراء: هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا، وقال: ولا يحسن الوقف على [العنكبوت]، لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به، وجوز الأخفش الوقوف على [العنكبوت] وغلطه ابن الأنباري، قال: "لأن [اتخذت] صلة ل [العنكبوت]، كأن قال: كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتا، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول"، والعنكبوت تقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وتجمع على عناكب وعنكبوتات، وهي الدويبة الصغيرة التي تنسخ نسيجا رقيقا، وقد يقال لها عكنبات، ومنه قول الشاعر: كأنما يسقط من لغامها بيت عكنبات على زمامها