قوله تعالى : { ويا قوم لا يجرمنكم } ، لا يحملنكم ، { شقاقي } ، خلافي { أن يصيبكم } ، أي : على فعل ما أنهاكم عنه ، { مثل ما أصاب قوم نوح } ، من الغرق ، { أو قوم هود } ، من الريح ، { أو قوم صالح } ، من الصيحة ، { وما قوم لوط منكم ببعيد } ، وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط . وقيل معناه وما دار قوم لوط منكم ببعيد ، وذلك أنهم كانوا جيران قوم لوط .
ثم يواصل شعيب - عليه السلام - نصحه لقومه ، فينتقل بهم إلى تذكيرهم بمصارع السابقين ، محذرا إياهم من أن يكون مصيرهم كمصير الظالمين من قبلهم فيقول : { وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ . . . }
ومعنى { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } لا يحملنكم ، مأخوذ من جرمه على كذا ، إذا حمله عليه .
أو بمعنى لا يكسبنكم من جرم بمعنى كسب ، غير أنه لا يكون إلا فى كسب مَا لاَ خير فيه ، ومنه الجريمة ، وهى اقتراف الجرم والذنب .
وأصل الجرم : قطع الثمرة من الشجرة ، وأطلق على الكسب ، لأن الكاسب لشئ ينقطع له .
وقوله { شقاقي } من الشقاق بمعنى الخلاف والعداوة ، كأن لك واحد من المتعاديين فى شق غير الشق الذى يكون فيه الآخر ، والشق : الجانب .
والمعنى : ويا قوم لا تحملنكم عداوتكم لى ، على افتراء الكذب على ، وعلى التمادى فى عصيانى ومحاربتى . فإن ذلك سيؤدى بكم إلى أن يصيبكم العذاب الذى أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح .
وقوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } : تذكير لهم بأقرب المهلكين إليهم .
أى : إذا كنتم تتعظوا بما أصاب قوم نوح من غرق ، وبما أصاب قوم هود من ريح دمرتهم ، وبما أصاب قوم صالح من صحية أهلكتم ، فاتعظوا بما أصاب قوم لوط من عذاب جعل أعلى مساكنهم أسفلها ، وهم ليسوا بعيدين عنكم لا فى الزمان ولا فى المكان .
يقول لهم : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي } أي : لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ، فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط من النقمة والعذاب .
قال قتادة : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي } يقول : لا يحملنكم فراقي .
وقال السدي : عداوتي ، على أن تتمادوا في الضلال والكفر ، فيصيبكم من العذاب ما أصابهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثنا ابن أبي غَنيَّة ، حدثني عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى الكندي قال : كنت مع مولاي أمسك دابته ، وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان ؛ إذ أشرف علينا من داره فقال : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ } يا قوم ، لا تقتلوني ، إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا ، وشَبَّك بين أصابعه .
وقوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } [ قيل : المراد في الزمان ، كما قال قتادة في قوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } يعني ]{[14889]} إنما أهلكوا{[14890]} بين أيديكم بالأمس ، وقيل : في المكان ، ويحتمل الأمران ،
{ ويا قوم لا يجرمنّكم } لا يكسبنكم . { شِقاقي } معاداتي . { أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح } من الغرق . { أو قوم هود } من الريح . { أو قوم صالح } من الرجفة و{ أن } بصلتها ثاني مفعولي جزم ، فإنه يعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب . وعن ابن كثير " يجرمنكم " بالضم وهو منقول من المتعدي إلى مفعول واحد ، والأول أفصح فإن أجرم أقل دورانا على ألسنة الفصحاء . وقرئ { مثل } بالفتح لإضافته إلى المبني كقوله :
لم يُمنع الشّرب منها غير أن نطقت *** حمامة ف يغصون ذات أرقالِ
{ وما قوم لوط منكم ببعيد } زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعتبروا بهم ، أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فلا يبعد عنكم ما أصابهم ، وإفراد البعيد لأن المراد وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ، ولا يبعد أن يسوى في أمثاله بين المذكر والمؤنث لأنها على زنة المصادر كالصهيل والشهيق .
{ لا يجرمنكم } معناه : لا يكسبنكم ، يقال : جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه ، كما يقال : كسب وأكسب بمعنى{[6477]} ، ومن ذلك قول الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة*** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا{[6478]}
وقرأ الجمهور «يَجرمنكم » بفتح الياء ، وقرأ الأعمش وابن وثاب «يُجرمنكم » بضمها ، و { شقاقي } معناه : مشاقتي وعداوتي{[6479]} ، و { أن } مفعولة ب { يجرمنكم } .
وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهداً بقصة قوم شعيب ، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد ، فكأنه قال : وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة ، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط .
وقرأ الجمهور «مثلُ » بالرفع على أنه فاعل { يصبكم } وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق «مثلَ » بالنصب ، وذلك على أحد وجهين : إما أن يكون «مثل » فاعلاً ، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن ، فإن «مثل » قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفاً محضاً .
وإما أن يقدر الفاعل محذوفاً يقتضيه المعنى ، ويكون «مثلَ » منصوباً على النعت لمصدر محذوف تقديره : إصابة مثل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.