معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

قوله تعالى : { أإله مع الله تعالى الله عما يشركون *أمن يبدأ الخلق ثم يعيده } بعد الموت ، { ومن يرزقكم من السماء والأرض } أي : من السماء المطر ومن الأرض النبات . { أإله مع الله قل هاتوا برهانكم } حجتكم على قولكم أن مع الله إلهاً آخر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

ثم انتقلت السورة الكريمة - للمرة الخامسة - إلى لفت أنظارهم إلى نعمة أخروية ، بعد أن ساقت ما ساقت من النعم الدنيوية ، فقال - تعالى - : { أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ } أى : قولوا لنا - أيها المشركون - من الذى قى قدرته أن يوجد الخلق فى الأرحام من نطفة ، ثم يحولها إلى علقة ، ثم إلى مضغة . . . ثم يعيد هذه المخلوقات جميعها بعد موتها ، إلى الحياة مرة أخرى ؟ لا شك أنه لا يقدر على ذلك أحد سوى الله - تعالى - .

ثم قولوا لنا { وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض } بالمطر والنبات والأموال ، وبغير ذلك من ألوان النعم التى لا تحصى ؟

{ أإله مَّعَ الله } هو الذى فعل ذلك ؟ كلا ، لم يفعل ذلك سوى الله - تعالى - وحده ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يخرس ألسنتهم عند المعارضة أو المجادلة فقال : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - عند معارضتهم لك ، أحضروا حجتكم وهاتوا برهانا عقليا أو نقليا ، على أن الله - تعالى - شريكا فى ملكه ، إن كنتم صادقين فيما انغمستم فيه من جهل وشرك وكفر به - عز وجل - .

قال الإمام الرازى ما ملخصه : اعلم أنه - تعالى - لما عدد نعم الدنيا ، أتبع ذلك بنعم الآخرة فقال : { أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ } ، لأن نعم الله بالثواب لا تتم إلا بالإعادة بعد الابتداء . فإن قيل : كيف قيل لهم : { أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ } وهم منكرون للإعادة ؟

فالجواب : أنهم كانوا معترفين بالابتداء ، ودلالة الابتداء على الإعادة دلالة ظاهرة قوية ، فلما كان الكلام مقرونا بالدلالة الظاهرة ، صاروا كأنهم لم يبق لهم عذر فى الإنكار . .

وبذلك ترى هذه الآيات الكريمة . قد أقامت أوضح الأدلة وأقواها ، على وحدانية الله - تعالى - . وعلى كمال قدرته ، وشمول علمه ، وانفراده بالخلق والتدبير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

أي : هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ{[22129]} الخلق ثم يعيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [ البروج : 12 ، 13 ] ، وقال { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .

{ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } أي : بما ينزل من مطر السماء ، وينبت من بركات الأرض ، كما قال : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } [ الطارق : 11 ، 12 ] ، وقال { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [ الحديد : 4 ] ، فهو ، تبارك وتعالى ، ينزل من السماء ماء مباركًا فيسكنه في الأرض ، ثم يخرج به [ منها ]{[22130]} أنواع الزروع والثمار والأزاهير ، وغير ذلك من ألوان شتى ، { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } [ طه : 54 ] ؛ ولهذا قال : { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } أي : فعل هذا . وعلى القول الآخر : يعبد ؟ { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } على صحة ما تدعونه{[22131]} من عبادة آلهة أخرى ، { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في ذلك ، وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان ، كما قال [ الله ] :{[22132]} { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون : 117 ] .


[22129]:- في ف ، أ : "بدأ".
[22130]:- زيادة من ف.
[22131]:- في أ : "من يدعونه".
[22132]:- زيادة من أ.