البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

{ أمن يبدأ الخلق } : الظاهر أن الخلق هو المخلوق ، وبدؤه : اختراعه وإنشاؤه .

ويظهر أن المقصود هو من يعيده الله في الآخرة من الإنس والجن والملك ، لا عموم المخلوق .

وقال ابن عطية : والمقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة ، والإعادة البعث من القبور ، ويحتمل أن يريد بالخلق مصدر خلق ، ويكون يبدأ ويعيد استعارة للإتقان والإحسان ، كما تقول : فلان يبدىء ويعيد في أمر كذا إذا كان يتقنه .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال لهم أمن يبدأ الخلق ثم يعيده وهم منكرون الإعادة ؟ قلت : قد أنعم عليهم بالتمكين من المعرفة والإقرار ، فلم يبق لهم عذر في الإنكار . انتهى .

ولما كان إيجاد بني آدم إنعاماً إليهم وإحساناً ، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال : { ومن يرزقكم من السماء } بالمطر ، { والأرض } بالنبات ؟ { قل هاتوا برهانكم } : أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شيء مما تقدم تقريره { إن كنتم صادقين } في أن مع الله إلهاً آخر .

فأين دليلكم عليه ؟ وهذا راجع إلى ما تقدم من جميع الاستفهام الذي جيء به على سبيل التقرير ، وناسب ختم كل استفهام بما تقدمه .

واعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله : { أإله مع الله } ، على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى .