السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

الخامس : منها قوله تعالى : { أم من يبدأ الخلق } أي : كلهم في الأرحام من نطفة ما علمتم منهم وما لم تعلموا { ثم يعيده } أي : بعد الموت لأنّ الإعادة أهون ، فإن قيل : كيف قيل : لهم ثم يعيده ؟ أجيب : بأنهم كانوا مقرين بالابتداء ودلالته على الإعادة ظاهرة قوية لأنّ الإعادة أهون عليه من الابتداء ، فلما كان الكلام مقروناً بالدلالة الظاهرة صاروا كأنهم لا عذر لهم في إنكار الإعادة لقيام البراهين عليها . ولما كان الإمطار والإنبات من أدلّ ما يكون على الإعادة قال مشيراً إليهما على وجه عمّ جميع ما مضى .

{ ومن يرزقكم من السماء } أي : بالمطر والحرّ والبرد وغيرها مما له سبب في التكوين أو التلوين { والأرض } أي : بالنبات والمعادن والحيوان وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله تعالى : وعبر عنها بالرزق لأنّ به تمام النعمة { أإله مع الله } أي : الذي له صفات الجلال والإكرام . ولما كانت هذه كلها براهين ساطعة ودلائل قاطعة أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إعراضاً عنهم بقوله تعالى : { قل } أي : لهؤلاء المدّعين للعقول { هاتوا برهانكم } أي : حجتكم على نفي شيء من ذلك عن الله تعالى أو على إثبات شيء منه لغيره { إن كنتم صادقين } أي : في أنكم على حق في أنّ مع الله تعالى غيره ، وأضاف تعالى البرهان إليهم تهكماً بهم وتنبيهاً على أنهم أبعدوا في الضلال وأغرقوا في المحال .