معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

قوله تعالى : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً } وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم ، فشق ذلك على قريش ، وفرح به المؤمنون : فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش ، وهم الصناديد والأشراف ، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً أكبرهم سناً الوليد بن المغيرة ، قال لهم : امشوا إلى أبي طالب ، فأتوا أبا طالب ، وقالوا له : أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ، وإنا قد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه ، فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا يسألونني ؟ قالوا : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ؟ فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشرا أمثالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا لا إله إلا الله ، فنفروا من ذلك وقاموا ، وقالوا : أجعل الآلهة إلهاً واحداً ؟ كيف يسع الخلق كلهم إله واحد ؟ { إن هذا لشيء عجاب } أي : عجب ، والعجب والعجاب واحد ، كقولهم : رجل كريم وكرام ، وكبير وكبار ، وطويل وطوال ، وعريض وعراض .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ، أقوالا أخرى لا تقل عن غيرها فى البطلان والفساد .

فقالوا - كما حكى القرآن - : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً } . : والاستفهام للإِنكار : أى : أجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة المتعددة ، إلها واحدا . وطلب منا أن ندين له بالعبادة والطاعة ؟

{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أى : إن هذا الذى طلبه منا ، ودعانا إليه ، لشئ قد بلغ النهاية فى العجب والغرابة ومجاوزة ما يقبله العقل .

و { عُجَابٌ } أبلغ من عجيب . لأنك تقول فى الرجل الذى فيه طول : هذا رجل طويل ، بينما تقول فى الرجل الذى تجاوز الحد المعقول فى الطول : هذا رجل طوال .

فلفظ { عُجَابٌ } صيغة المبالغة سماعية ، وقد حكاها - سبحانه - عنهم للإِشعار بأنهم كانوا يرون - لجهلهم وعنادهم - أن ما جاءهم به الرسول - ؛ - هو شئ قد تجاوز الحد فى العجب والغرابة .

واسم الإِشارة يعود إلى جعله صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا ، لأنهم يرون - لانطماس بصائرهم - أن ذلك مخالف مخالفة تامة لما ورثوه ، عن آبائهم وأجدادهم من عبادة للأصنام .

وما كان مخالفا لما ورثوه عن آبائهم فهو - فى زعمهم - متجاوز الحد فى العجب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

وعجبوا كذلك من دعوته إياهم إلى عبادة الله الواحد . وهي أصدق كلمة وأحقها بالاستماع :

( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) . .

ويصور التعبير القرآني مدى دهشتهم من هذه الحقيقة الفطرية القريبة . . ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? )كأنه الأمر الذي لا يتصوره متصور ! ( إن هذا لشيء عجاب ) . . حتى البناء اللفظي( عجاب )يوحي بشدة العجب وضخامته وتضخيمه !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

فجملة { أجعل الالهة إلها واحدا } بيان لجملة { هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ } ، أي حيث عدوه مباهتاً لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع .

والهمزة للاستفهام الإِنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم : { ساحر } وهو { إنَّ هذا لشيء عجاب } أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر .

و { عُجاب } : وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيراً لأن وزن فُعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل : طُوال ، بمعنى المفرط في الطول ، وكُرام بمعنى الكثير الكرم ، فهو أبلغ من كريم ، وقد ابتدأوا الإِنكار بأول أصل من أصول كفرهم فإن أصول كفرهم ثلاثة : الإِشراكُ ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار البعث ، والجزاءِ في الآخرة .