الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ثم قال تعالى عنهم : إنهم قالوا : { أجعل الآلهة إلها واحدا } أي : أجعل محمد المعبود معبودا واحدا ؟ !

{ إن هذا لشيء عجاب } ، أي : عجيب .

قال قتادة : عجب المشركون أن دُعُوا إلى الله وحده وقالوا : يسمع لحاجاتنا{[58036]} جميعا إله واحد ، ما سمعنا بهذا ( في الملة الآخرة ){[58037]} .

رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمشركين : " أسألكم أن تجيبوني إلى واحدة تدين بها لكم العرب ، وتعطيكم بها الخرج العجم . فقالوا : ما هي ؟ ! قال : تقولون لا إله إلا الله . فعند ذلك قالوا : أجعل الآلهة إلها{[58038]} واحدا ، تعجبا من ذلك " .

وذكر ابن عباس أنه لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل ، فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته . فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل ، فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له{[58039]} عليه ، فوثب فجلس إلى جنب أبي طالب . فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب . أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول . قال : فأكثروا عليه القول . وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عمي{[58040]} إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " . ففزعوا لكلمته ولقوله . وقال القوم كلمة واحدة : نعم ، وأبيك عشرا ، قالوا : فما هي ؟ ! قال أبو طالب : أي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : لا إله إلا الله . قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } . فنزلت هذه الآية إلى قوله : { لما يذوقوا العذاب }{[58041]} .

وفرق الخليل{[58042]} بين العجيب والعجاب ، فالعجيب ، والعَجَب ، والعُجاب : الذي قد تجاوز حد العَجَب ، وكذلك عنده الطَّويل الذي فيه طول ، والطُّوال الذي قد تجاوز حد الطول{[58043]} .

وقيل : هما بمعنى ، يقول : طَويل وطُوال ، وجَسِيم وجُسام ، وخَفيف وخُفاف ، وسَريع{[58044]} وسُراع{[58045]} ، ورَقيق ورُقاق ، بمعنى{[58046]} .


[58036]:(ح): بحاجاتنا.
[58037]:مشطوب عليها في (ح). وانظر جامع البيان 23/79.
[58038]:(ح): اللها.
[58039]:فوق السطر في (ه).
[58040]:(ح): يا عم.
[58041]:ص: 4-7. والحديث أخرجه الترمذي: تفسير سورة (ص) ج 12/109 وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد 1/227 و228 و362، والحاكم ج 12/432 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص ص 2/432، وأخرجه أيضا البيهقي ج 9/188 وابن جرير في جامع اليبان 23/79، وزاد السيوطي نسبته – في الدر المنثور 7/142 – لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. كلهم رواية عن ابن عباس، إلا ابن جرير فإنه رواه عن سعيد. وهي روايات جميعها بالمعنى.
[58042]:هو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي أبو عبد الرحمن، أستاذ سيبويه، وأول من وضع العروض توفي سنة 170 هـ. انظر: جمهرة أنساب العرب 380، وإنباه الرواة 1/341 ت 235، والتقريب 1/228 ت 159.
[58043]:انظر: جامع القرطبي 15/150، والقاموس المحيط 1/101.
[58044]:ساقط من (ح).
[58045]:في طره (ح).
[58046]:انظر: مشكل القرآن وغريبه 2/ القرطبي 99.