الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلها وَاحِدا": يقول: وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا: محمد ساحر كذّاب: أجعل محمد المعبودات كلها واحدا، يسمع دعاءنا جميعنا، ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا، "إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ": أي إن هذا لشيء عجيب...

وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه، من ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أسْأَلُكُمْ أنْ تُجِيبُونِي إلى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِها العَرَبُ، وَتُعْطِيكُمْ بِها الخَرَاجَ العَجَمُ» فقالوا: وما هي؟ فقال: «تقولون لا إلَهَ إلاّ اللّهُ»، فعند ذلك قالوا: (أجَعَلَ الاَلَهَةَ إلَها وَاحِدا) تعجبا منهم من ذلك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا القول من الرؤساء والمتبوعين منهم، إغراء عليه لما عرفوا.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لم تباشر خلاصةُ التوحيد قلوبَهم، وبعدوا عن ذلك تجوزاً، فضلاً عن أن يكون إثباتاً وحُكْماً، فلا عَرَفُوا الإلهَ ولا معنى الإلهية؛ فإنَّ الإلهيةَ هي القدرة على الاختراع، وتقديرُ قادِرَيْنِ على الاختراع غيرُ صحيح لِما يجب من وجود التمانع بينهما وجوازه، ثم إنَّ ذلك يمنع من كمالهما، ولو لم يكونا كامِلي الوصفِ لم يكونا إِلَهْين، وكلُّ أمرٍ جرى ثبوتُ سقوطِ فهو مطروحٌ باطل...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا إِنَّ هذا لشيء عُجَابٌ} أي:بليغ في العجب، وقرئ: «عجّاب» بالتشديد، وهو أبلغ من المخفف.

{أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا}... الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم، كأنه قال: أجعل الجماعة واحداً في قوله، لأنّ ذلك في الفعل محال...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء:

أحدها: ما يتعلق بالإلهيات.

وثانيها: ما يتعلق بالنبوات.

وثالثها: ما يتعلق بالمعاد.

أما الشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}... وأقول منشأ التعجب من وجهين:

الأول: هو أن القوم ما كانوا من أصحاب النظر والاستدلال بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات؛ فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعمله بحفظ الخلق العظيم؛ قاسوا الغائب على الشاهد، فقالوا: لا بد في حفظ هذا العالم الكثير من آلهة كثيرة يتكفل كل واحد منهم بحفظ نوع آخر.

الوجه الثاني: أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين على الشرك، فقالوا من العجب العجيب أن يكون أولئك الأقوام على كثرتهم وقوة عقولهم كانوا جاهلين مبطلين، وهذا الإنسان الواحد يكون محقا صادقا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر قولهم الناشئ عن عجبهم، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه:

{أجعل} أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {أجعل الآلهة إلها واحدا} بيان لجملة {هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ}، أي حيث عدوه مباهتاً لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع... والهمزة للاستفهام الإِنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم: {ساحر} وهو {إنَّ هذا لشيء عجاب} أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} إنهم يتعجَّبون وينكرون أنْ يدعوَهم رسولُ الله إلى التوحيد، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد كانوا يعبدون آلهة عِدَّة، فحول البيت أصنام كثيرة، ومنهم مَنْ كان يعبد الشمسَ أو القمر أو الكواكب والنجوم، ومنهم مَنْ عبد الملائكة.. إلخ.

لكن من أين أتتهم هذه الشبهة؟ جاءتْ هذه الشبهة من استعظامهم الوجود، فهذا الكون البديع المحكم فيه أرض بها أنهار وجبال وزروع وثمار، وفيه سماء فيها شمس وقمر ونجوم وكواكب وأفلاك.. إلخ. فهذا الكون في نظرهم لا يقدر على خَلْقه واحد بمفرده، لا بد أن كثيرين اشتركوا في خَلْقه.

إذن: فعظمة الوجود هي التي جعلتهم يقولون بآلهة متعددة، وهنا لا بُدَّ أن نقولَ سبحان الله، فالعكس هو الصحيح في هذه المسألة، فعظمة الخَلْق دليل على أن الخالق واحد، ولو كان الخالق متعدداً لما جاء الخَلْق على هذا النظام والتناسق، ولو كان الخالق متعدداً لكان الحال كما وصفه الحق سبحانه: {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ..} [المؤمنون: 91].

فقولهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً} خطأ من ناحيتين: الأولى ظنُّهم أن عظمة الصنعة دليلٌ على تعدُّد الصانع، في حين أن عظمة الصنعة دليل على أن الصانع واحد، الأخرى: أنكم قُلْتم بتعدد الآلهة، والإله يعني المعبود المطاع في أوامره ونواهيه فقولوا لنا: بماذا أمرتكُم هذه الآلهة، وعَمَّ نهتكم؟ بل ماذا أعدَّتْ لمن أطاعها من الجزاء، وماذا أعدَّتْ لمن عصاها؟

إذن: قولكم آلهة كذب وهراء تقولونه بألسنتكم ما أنزل الله به من سلطان، ولو عرفتم معنى الآلهة ومعنى العبادة وأن المعبود لا بُدَّ أن يكون له منهج يسير عليه العباد، لو عرفتُم هذا لما قُلْتم بتعدُّد الآلهة.

لذلك الحق سبحانه يضرب لهم مثلاً، فيقول: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً..} [الزمر: 29].

يعني: هل يستوي في العبودية عند مملوك لسيد واحد وعبد مملوك لعدة أسياد، وليتهم متفقون إنما متشاكسون مختلفون فيما بينهم، كذلك لا يستوي مَنْ عبد الله وحده ومَنْ عبد آلهة متعددة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الغرور والتكبّر إضافة إلى فساد المجتمع، تساهم جميعاً في تغيّر بصيرة الإنسان، وجعله متعجّباً من بعض الاُمور الواقعية والواضحة، في حين يصرّ بشدّة على التمسّك ببعض الخرافات والأوهام الواهية...

فالسفهاء من قريش كانوا يعتقدون أنّه كلّما ازدادت عدد آلهتهم ازداد نفوذهم وقدرتهم، ولهذا السبب فإنّ وجود إله واحد يعدّ قليلا من وجهة نظرهم، في حين كما هو معلوم أنّ الأشياء المتعدّدة من وجهة النظر الفلسفية تكون دائماً محدودة، والوجود اللامحدود واحد لا أكثر، ولهذا السبب فإنّ كلّ الدراسات في معرفة الله تنتهي إلى توحيده...