محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

{ وعجبوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ } أي رسول { منهم } أي من أنفسهم . يعنى النبي صلى الله عليه وسلم { وقال الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ* أجعل الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي بليغ في العجب . وذلك لتمكن تقليد آبائهم في نفوسهم ، ورسوخه في أعماق قلوبهم . ومضيّ قرون عديدة عليه ، وإلفهم به وأنسهم له ، حتى ران على قلوبهم ، وغشي على أبصارهم ، ونسي باب النظر والاستدلال . بل محي بالكلية من بينهم . وصار عندهم من أبطل الباطل وأمحل المحال .

فائدة :

روى ابن عباس في هذه الآية : ( أنه لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل . فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول . فلو بعثت إليه فنهيته  ! فبعث إليه . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل . قال فخشي أبو جهل لعنه الله ، إن جلس إلى جنب أبي طالب ، أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس . ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه . فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي  ! ما بال قومك يشكونك  ! يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول . قال ، وأكثروا عليه من القول . وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها . تدين لهم بها العرب . وتؤدي إليهم بها العجم الجزية . ففزعوا لكلمته ولقوله . فقال القوم :كلمة واحدة ؟ نعم ، وأبيك عشرا . فقالوا : وما هي ؟ وقال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا إله إلا الله . فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } ونزلت الآية ) . روا ه ابن جرير والإمام أحمد والنسائي ، والترمذي وحسّنه .