معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

قوله تعالى : { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن } من جانب الوادي الذي عن يمين موسى ، { في البقعة المباركة } لموسى ، جعلها الله مباركة لأن الله كلم موسى هناك وبعثه نبياً . وقال عطاء : يريد المقدسة ، { من الشجرة } من ناحية الشجرة ، قال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء تبرق ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت عوسجة . قال وهب من العليق ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إنها العناب . { أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

ثم بين - سبحانه - : ما حدث لموسى بعد أن وصل إلى الجهة التى فيها النار فقال - تعالى - : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } .

والضمير فى " أتاها " ، يعود إلى النار التى رآها ، وشاطىء الوادى : جانبه ، والأيمن : صفته .

أى : فحين أتى موسى - عليه السلام - إلى النار التى أبصرها ، { نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن } أى سمع نداء من الجانب الأيمن بالنسبة له ، أى : لموسى وهو يسير إلى النار التى رآها ، فمن لابتداء الغاية .

ويرى بعضهم أن المراد بالأيمن . أى : المبارك ، مأخوذ من اليمن بمعنى البركة .

وقوله : { فِي البقعة المباركة } متعلق بقوله { نُودِيَ } أو بمحذوف حال من الشاطىء .

وقوله : { مِنَ الشجرة } بدل اشتمال من شاطىء الوادى ، فإنه كان مشتملا عليها .

والبقعة : اسم للقطعة من الأرض التى تكون غير هيئة القطعة المجاورة لها وجمعها بقع بضم الباء وفتح القاف - وبقاع .

ووصفت بالبركة : لما وقع فيها من التكليم والرسالة لموسى ، و إظهار المعجزات والآيات على يديه .

أى : فلما اقترب موسى من النار ، نودى من ذلك المكان الطيب ، الكائن على يمينه وهو يسير إليه . والمشتمل على البقعة المباركة من ناحية الشجرة .

ولعل التنصيص على الشجرة ، للإشارة إلى أنها كانت الوحيدة فى ذلك المكان .

و { أَن } فى قوله - تعالى - : { أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } تفسيرية ، لأن النداء قوله .

أى : نودى أن يا موسى تنبه وتذكر إنى أنا الله رب العالمين .

قال الإمام ابن كثير : وقوله - تعالى - : { أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } أى : الذى يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين ، الفعال لما يشاء لا إله غيره . ولا رب سواه ، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات فى ذاته وصفاته وأقواله - سبحانه - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

29

فأما المشهد الثاني فهو المفاجأة الكبرى :

( فلما أتاها نودي من شاطى ء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة . . )

فها هو ذا يقصد إلى النار التي آنساها ، وها هو ذا في شاطى ء الوادي إلى جوار جبل الطور ، الوادي إلى يمينه ، ( في البقعة المباركة ) . . المباركة ، منذ هذه اللحظة . . ثم هذا هو الكون كله تتجاوب جنباته بالنداء العلوي الآتي لموسى ( من الشجرة )ولعلها كانت الوحيدة في هذا المكان :

( أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ) :

وتلقى موسى النداء المباشر . تلقاه وحيدا في ذلك الوادي العميق ، في ذلك الليل الساكن . تلقاه يتجاوب به الكون من حوله ، وتمتلىء به السماوات والأرضون . تلقاه لا ندري كيف وبأية جارحة وعن أي طريق . تلقاه ملء الكون من حوله ، وملء كيانه كله . تلقاه وأطاق تلقيه لأنه صنع على عين الله حتى تهيأ لهذه اللحظة الكبرى .

وسجل ضمير الوجود ذلك النداء العلوي ؛ وبوركت البقعة التي تجلى عليها ذو الجلال ؛ و تميز الوادي الذي كرم بهذا التجلي ، ووقف موسى في أكرم موقف يلقاه إنسان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

فلما أتى موسى عليه السلام ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة نبىء عليه السلام . فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه تمشي به الشجرة وهي خضراء غضة حتى { نودي } .

و «الشاطىء » والشط ضفة الوادي ، وقوله { الأيمن } يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطىء ، ويحتمل أن يكون المعادل{[9143]} لليسار فذلك لا يوصف به الشاطىء إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي أو يعكس ذلك وكل هذا وقد قيل ، و «بركة البقعة » هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام ، والناس على ضم الباء من «بُقعة » ، وقرأ بفتحها أبو الأشهب العقيلي{[9144]} ، قال أبو زيد : سمعت من العرب : هذه بَقعة طيبة بفتح الباء ، وقوله تعالى { من الشجرة } يقتضي أن موسى عليه السلام سمع ما سمع من جهة الشجرة ، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد{[9145]} ، وقوله تعالى { أن يا موسى } يحتمل أن تكون { أن } مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر ، وقرأت فرقة «أني أنا الله » بفتح «أني » .


[9143]:في الأصول: "ويحتمل أن يكون معادل لليسار".
[9144]:في الأصول : "أبو الأشهب" والتصويب عن القرطبي والبحر المحيط وكب القراءات.
[9145]:قال الأستاذ أبو إسحق: "اتفق أهل الحق على أن الله تعالى خلق في موسى عليه السلام معنى من معاني أدرك به كلامه كان اختصاصه في سماعه، وأنه قادر على مثله في جميع خلقه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

تقدم مثل هذا في سورة النمل إلا مخالفة ألفاظ مثل { أتاها } هنا و { جاءها هناك } [ النمل : 8 ] و { إني أنا الله } هنا ، و { إنه أنا الله هناك } [ النمل : 9 ] بضمير عائد إلى الجلالة هنالك ، وضمير الشأن هنا وهما متساويان في الموقع لأن ضمير الجلالة شأنه عظيم . وقوله هنا { رب العالمين } وقوله هنالك { العزيز الحكيم } [ النمل : 9 ] . وهذا يقتضي أن الأوصاف الثلاثة قيلت له حينئذ .

والقول في نكتة تقديم صفة الله تعالى قبل إصدار أمره له بإلقاء العصا كالقول الذي تقدم في سورة النمل لأن وصف { رب العالمين } يدل على أن جميع الخلائق مسخرة له ليثبت بذلك قلب موسى من هول تلقي الرسالة .