نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

{ فلما أتاها } أي النار .

ولما كان آخر الكلام دالاً دلالة واضحة على أن المنادي هو الله سبحانه ، بنى للمفعول قوله دالاًّ على ما في أول الأمر من الخفاء : { نودي } ولما كان نداؤه سبحانه لا يشبه نداء غيره بل يكون من جميع الجوانب ، وكان مع ذلك قد يكون لبعض المواضع مزيد تشريف بوصف من الأوصاف ، إما بأن يكون أول السماع منه أو غير ذلك أو يكون باعتبار كون موسى عليه الصلاة والسلام فيه قال : { من } أي كائناً موسى عليه السلام بالقرب من { شاطئ } أي جانب { الواد } عن يمين موسى عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال : { الأيمن } وهو صفة للشاطىء الكائن أو كائناً { في البقعة المباركة } كائناً أول أو معظم النداء أو كائناً موسى عليه الصلاة والسلام قريباً { من الشجرة } كما تقول : ناديت فلاناً من بيته ، ولعل الشجرة كانت كبيرة ، فلما وصل إليها دخل النور من طرفها إلى وسطها ، فدخلها وراءه بحيث توسطها فسمع - وهو فيها - الكلام من الله تعالى حقيقة ، وهو المتكلم سبحانه لا الشجرة ، قال القشيري : ومحصل الإجماع أنه عليه الصلاة والسلام سمع تلك الليلة كلام الله ، ولو كان ذلك نداء الشجرة لكان المتكلم الشجرة ، وقال التفتازاني شرح المقاصد أن اختيار حجة الإسلام أنه سمع كلامه الأزلي بلا صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة ، بلا كم ولا كيف ، وتقدم في طه أن المراد ما إلى يمين المتوجه من مصر إلى الكعبة المشرفة ، والشجرة قال البغوي : قال ابن مسعود رضي الله عنه : كانت سمرة خضراء تبرق ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت عوسجة ، وقال وهب : من العليق ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها العناب . ثم ذكر المنادي بقوله : { أن يا موسى } وأكد لأنه سبحانه لعظمه يحتقر كل أحد نفسه لأن يؤهله للكلام لا سيما والأمر في أوله فقال : { إني أنا الله } أي المستجمع للأسماء الحسنى ، والصفات العلى .

ولما كان هذا الاسم غيباً ، تعرف بصفة هي مجمع الأفعال المشاهدة للإنسان فقال : { رب العالمين* } أي خالق الخلائق أجمعين ومربيهم