اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

قوله «مِنْ شاطئ » «مِنْ » لابتداء الغاية{[40190]} ، و «الأَيْمَنِ » صفة للشاطئ أو للوادي ، والأَيْمَنُ من اليُمْنِ ، وهو البَرَكة ، أو مِنَ اليمين المعادل لليسار من العضوين ، ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى ، أي : الَّذي على يمينك دون يسارِك{[40191]} ، والشاطئ ضفة الوادي{[40192]} والنهر أي : حافته وطرفه ، وكذلك الشَّطُّ والسيف والساحل كلها بمعنى ، وجمع الشاطئ «أَشْطاءٌ » قاله الراغب{[40193]} ، وشاطأت فلاناً : ماشيته على الشاطئ{[40194]} .

قوله : «فِي البُقْعَة » متعلق ( ب «نُودِيَ » أي ){[40195]} بمحذوف على أنه حال من الشاطئ{[40196]} ، وقرأ العامة بضم الباء ، وهي اللغة الغالبة ، وقرأ مسلمة{[40197]} والأشهب العقيلي بفتحها{[40198]} وهي لغة حكاها أبو زيد قال : سمعتهم يقولون : هذه بقعةٌ طيبة{[40199]} ، ( ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه ){[40200]} {[40201]} .

قوله : «مِنَ الشَّجَرَةِ » هذا{[40202]} بدل من «شاطئ » بإعادة العامل ، وهو بدل اشتمال ، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطئ كقوله{[40203]} : { لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ }{[40204]} [ الزخرف : 33 ] .

قوله : { أَن يا موسى } هي المفسرة{[40205]} ، وجوِّز فيها أن تكون هي المخففة{[40206]} ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة النداء مفسرة له ، وفيه بُعد{[40207]} .

قوله { إني أَنَا الله } العامة على الكسر على إضمار القول ، أو على تضمين النداء معناه ، وقرئ بالفتح{[40208]} ، وفيه إشكال ، لأَنَّهُ إنْ جعلت «أَنْ » تفسيرية ، وجب كسر «إنِّي »{[40209]} للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان ، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير «أَنِّي » بمصدر ، والمصدر مفرد ، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد ، والذي ينبغي أن تُخرَّج عليه هذه القراءة أن تكون «أَنْ » تفسيرية و «أَنِّي »{[40210]} معمولة لفعل مضمر تقديره أَنْ يا موسى اعلم أَنِّي أنا الله{[40211]} ، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا } [ النمل : 8 ] وقال ها هنا : نُودِي أَنِّي أنا اللَّه ربُّ العالمين ، وقال في سورة طه { نُودِيَ يا موسى إني أَنَا رَبُّكَ } [ طه : 11 - 12 ] ، ولا منافاة بين هذه الأشياء ، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء{[40212]} .


[40190]:انظر الكشاف 3/165.
[40191]:انظر البحر المحيط 7/116.
[40192]:في ب: للوادي.
[40193]:المفردات في غريب القرآن (261).
[40194]:في اللسان (شطأ): وشاطأت الرجل إذا مشيت على شاطئ ومشى هو على الشاطئ الآخر.
[40195]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[40196]:انظر البحر المحيط 7/116.
[40197]:في ب: مسلم.
[40198]:المختصر (112)، البحر المحيط 7/116.
[40199]:لم أجد ما قاله أبو زيد في النوادر، وهو في البحر المحيط 7/116.
[40200]:انظر الفخر الرازي 24/244.
[40201]:ما بين القوسين سقط من ب.
[40202]:في ب: وهذا.
[40203]:في ب: لقوله.
[40204]:انظر الكشاف 3/165.
[40205]:انظر التبيان 2/1020، البحر المحيط 7/116.
[40206]:انظر البيان 2/232، التبيان 2/1020، البحر المحيط 7/116.
[40207]:من حيث أنَّ ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة خبرية فلا يفسَّر بالإنشائية كالنداء ولا الطلبية ولا بد أن يصرح بجزئيها، فلا يجوز حذف جزء منها، فإنه جيء به لتأكيدها وتفخيم مدلولها، والحذف مناف لذلك. الهمع 1/67.
[40208]:انظر تفسير ابن عطية 11/296، البحر المحيط 7/117.
[40209]:في ب: أن.
[40210]:في الأصل: وأنا.
[40211]:انظر البحر المحيط 7/17.
[40212]:انظر الفخر الرازي 24/245، البحر المحيط 7/117.