فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (30)

{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 30 ) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ( 31 ) }

{ فلما أتاها } أي النار التي أبصرها ، وقيل : أتى الشجرة ، والأول أولى لعدم الذكر للشجرة { نودي من } لابتداء الغاية { شاطئ الوادي الأيمن } صفة للشاطئ أو للوادي ، وهو من اليمن وهو البركة أو من جهة اليمين المقابل لليسار بالنسبة إلى موسى ، أي الذي يلي يمينه دون يساره ، وشاطئ الوادي طرفه وحافته وكذا الشط والسيف والساحل كلها بمعنى ، قال الراغب وجمع الشاطئ أشطاء قال ابن عباس : كان النداء من السماء الدنيا ، وظاهر القرآن يخالف ما قاله رضي الله تعالى عنه .

{ في البقعة } متعلق بنودي أو بمحذوف على أنه حال من الشاطئ { المباركة } بتكليم الله تعالى فيها { من الشجرة } بدل اشتمال من شاطئ الوادي لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ ، وقال الجوهري : شاطئ الأودية ولا يجمع قرأ الجمهور : البقعة بضم الباء ، وقرئ بفتحها ، وهي لغة حكاها أبو زيد .

عن ابن مسعود قال " ذكرت لي الشجرة التي أوى إليهما موسى فسرت إليها يومي وليلتي حتى صبحتها فإذا هي سمرة خضراء ترف ، فصليت على النبي صلى الله عليه وسلم وسلمت فأهوى إليها بعيري ، وهو جائع ، فأخذ منها ملآن فيه ، فلاكه فلم يستطع أن يسيغه فلفظه ، فصليت على النبي صلى الله عليه وسلم وسلمت ، ثم انصرفت " أخرجه عبد ابن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وقيل : الشجرة العناب ؛ أو العوسج ؛ وقيل : كانت من العليق .

{ أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } أن هي المفسرة أو هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ؛ وجملة النداء مفسرة له ، والأول أولى قرى : إني بكسر الهمزة على إضمار القول أو على تضمين النداء معناه ، والفتح قراءة ضعيفة . قال جعفر ، أبصر نارا دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار ، فلما دنا منها شملته أنوار القدس ، وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك ملكا شريفا أعطي ما سأل ، وأمن مما خاف .

قيل : إن موسى لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى وقيل : إن الله خلق في نفس موسى علما ضروريا بأن المتكلم هو الله وأن ذلك الكلام كلام الله ، وذهب جماعة من المتكلمين منهم الغزالي إلى أنه سمع كلامه الأزلي النفسي بلا صوت ولا حرف ، ولا دليل عليه . وقيل : غير ذلك مما لا فائدة في ذكره .

وقال في سورة طه : { إني أنا ربك } وقال في النمل { نودي أن بورك من في النار ومن حولها } وهما مخالفان لما هنا من حيث اللفظ إلا أن الجميع متوافق في المقصود وهو فتح باب الإستنباء وسوق الكلام على وجه يؤدي إليه قال الإمام : لا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل إلا أنه حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء انتهى .