قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ، أي : له عشر حسنات أمثالها ، وقرأ يعقوب ( عشر ) منون ، ( أمثالها ) بالرفع .
قوله تعالى : { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } . أخبرنا حسان به سعيد المنيعي ، ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، ثنا أبو بكر محمد بن الحسن القطان ، ثنا محمد بن يوسف السلمي ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه ، ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عز وجل ) .
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ثنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، ثنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، ثنا الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تبارك وتعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة بمثلها أو أغفر ، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئةً لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة ) .
قال ابن عمر : الآية في غير الصدقات من الحسنات ، فأما الصدقات : تضاعف سبعمائة ضعف .
ثم بين - سبحانه - لطفه فى حكمه ، وفضله على عباده ، بمناسبة الحديث عن الجزاء فقال : { مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } .
أى : من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة . فله عشر حسنات أمثالها فى الحسن ، فضلا من الله - تعالى - وكرماً .
قال بعضهم : وذلك - ولله المثل الأعلى - كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب يعطيه بما يليق بسلطنته لا قيمة العنقود . والعشر أقل ما وعد من الأصناف ، وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ، ولذلك قيل : المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص .
{ وَمَن جَآءَ بالسيئة } أى : بالأعمال السيئة { فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا } أى : فلا يجزى بحكم الوعد إلا بمثلها فى العقوبة واحدة بواحدة { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص الثواب وزيادة العقاب . فإن ربك لا يظلم أحدا .
وقد ورت أحاديث كثيرة فى معنى الآية منها ما رواه الشيخان عن أى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله - تعالى - : إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها . وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة . فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة " .
وبمناسبة الحساب والجزاء قرر الله سبحانه ما كتبه على نفسه من الرحمة في حساب عباده . فجعل لمن جاء بالحسنة وهو مؤمن - فليس مع الكفر من حسنة ! - فله عشر أمثالها . ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ؛ لا يظلم ربك أحداً ولا يبخسه حقه :
( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها . ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها . وهم لا يظلمون )
وقوله تعالى : { من جاء بالحسنة } الآية . قال أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر : هذه الآية نزلت في الأعراب الذين آمنوا بعد الهجرة فضاعف الله حسناتهم للحسنة عشر . وكان المهاجرون قد ضوعف لهم للحسنة سبعمائة{[5172]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا تأويل يحتاج إلى سند يقطع العذر ، وقالت فرقة : هذه الآية لجميع الأمة ، أي إن الله يضاعف الحسنة بعشرة ثم بعد هذا المضمون قد يزيد ما يشاء{[5173]} ، وقد يزيد أيضاً على بعض الأعمال كنفقة الجهاد ، وقال ابن مسعود ومجاهد والقاسم بن أبي بزة وغيرهم : «الحسنة » لا إله إلا الله «والسيئة » الكفر .
قال القاضي أبو محمد : وهذه هي الغاية من الطرفين ، وقالت فرقة : ذلك لفظ عام في جميع الحسنات والسيئات ، وهذا هو الظاهر . وأنث لفظ «العشر » لأن الأمثال ها هنا بالمعنى حسنات ، ويحتمل أن الأمثال أنث لما أضيفت إلى مؤنث ، وهو الضمير كما قال الشاعر : [ الطويل ]
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ . . . أعالِيهَا مَرّ الرياح النواسم{[5174]}
فأنث . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعيسى بن عمر والأعمش ويعقوب «فله عشرٌ » بالتنوين «أمثالُها » بالرفع{[5175]} .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الأعمال ست موجبة وموجبة ، ومَضِّعفة ومضعفة ومثل ومثل ، فلا إله إلا الله توجب الجنة . والشرك يوجب النار ، ونفقة الجهاد تضعف سبعمائة ضعف ، والنفقة على الأهل حسنتها بعشرة ، والسيئة جزاؤها مثلها ، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة مثلها »{[5176]} ، وقوله تعالى : { لا يظلمون } أي لا يوضع في جزائهم شيء في غير موضعه ، وتقدير الآية من جاء بالحسنة فله ثواب عشر أمثالها ، والمماثلة بين الحسنة والثواب مترتبة إذا تدبرت ، وقال الطبري قوله { من جاء بالحسنة } الآية ، يريد من الذين فرقوا دينهم أي من جاء مؤمناً فله الجنة .
قال القاضي أبو محمد : والقصد بالآية إلى العموم في جميع العالم{[5177]} أليق باللفظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.