بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

قوله تعالى :

{ مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } يعني : من جاء بالإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله فله بكل عمل عمله في الدنيا من الخير عشرة أمثاله من الثواب . { وَمَن جَاء بالسيئة } يعني : بالشرك { فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا } وهو الخلود في النار ، لأن الشرك أعظم الذنوب والنار أعظم العقوبة . فذلك قوله : { جَزَاءً وفاقا } [ النبإ : 26 ] يعني : جزاءً وافق العمل . ويقرأ فله { عشر } بالتنوين { أمثالُها } بضم اللام فتكون الأمثال صفة للعشر ، وهي قراءة شاذة قرأها الحسن البصري ويعقوب الحضرمي والقراءة المعروفة { عشر أمثالها } على معنى الإضافة ، وتكلموا في المثل . قال بعضهم إذا عمل عملاً يعطى في الآخرة ثواب عشرة . ويقال : وإنه يكتب للواحدة عشرة . وروى أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنَّ صَاحِبَ اليَمِينِ أمِيرٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمالِ . وَإذا عَمِلَ العَبْدُ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ عَشَرَة أمْثَالِهَا . وإذَا عَمِلَ سَيِّئَةً فَأرَادَ صَاحِبُ الشِّمَالِ أنْ يَكْتُبَهَا قَالَ لَهُ صَاحِبُ اليَمِينِ : أَمْسِكْهَا فَيُمْسِكُ سِتَّ سَاعَاتٍ أوْ سَبْعَ سَاعَاتٍ . فإنِ اسْتَغْفَرَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ » ويقال : إن الله تعالى قد وعدّ للواحدة عشراً فهو أعرف بكيفيته . فإن قيل : ذكر هاهنا للواحدة عشر وذكر في آية أُخرى سبعمائة وفي آية أُخرى أضعافاً مضاعفة ، قيل له : قد تكلم أهل العلم في ذلك . قال بعضهم : يكون للعوام عشرة والخواص سبعمائة وأكثر إلى ما لا يحصى . وقال بعضهم : العشرة اشترط لسائر الحسنات ، والسبعمائة للتفقه في سبيل الله فالخاص والعام فيه سواء .

وقد جاء في الأثر ما يؤكد القولين فقد روى عطية عن ابن عمر قال : نزلت هذه الآية في الأعراب { مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } قال رجل ما للمهاجرين يا أَبا عبد الرحمن ؟ قال : هو أفضل من ذلك { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 40 ] وإذا قال الله لشيء عظيماً فهو عظيم .

وروى همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إذا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلاَمَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا يُكْتَبُ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها إِلى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ . وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُها يُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِها حَتَّى يَلْقَى الله بِلا ذَنْبٍ »

وروى ابن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الأَعْمَالُ سِتَّةٌ فَمُوجِبَتَانِ ، وَمِثْلٌ بِمِثْلٍ ، وَحَسَنَةٌ بِحَسَنَةٍ ، وَحَسَنَةٌ بِعَشْرٍ ، وَحَسَنَةٌ بِسَبْعِمائَةٍ . فَأَمَّا المُوجِبَتَانِ فَمَنْ مَات وَلَمْ يُشْرِكْ بالله شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةِ وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بالله دَخَلَ النَّارَ . وَأَمَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ فَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةٍ فَجَزَاءٌ سَيِّئَةٍ مِثْلُهَا . وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ حَتَّى تَشْتَهِيَ بِهَا نَفْسُهُ وَيَعْلَمَهَا الله مِنْ قَلْبِهِ كُتِبَ لَهُ حَسَنَة . وَأَمَّا حَسَنَةٌ بِعَشْرٍ فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها . وَأَمَّا حَسَنَةٌ بِسَبْعِمائَةٍ فَالنَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ الله » ثم قال : « { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } » يعني : لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً ولا يزادون على سيئاتهم شيئاً .