فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

قوله : { مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد ، بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم ، بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات ، والتقدير : فله عشر حسنات أمثالها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف . قال أبو علي الفارسي : حسن التأنيث في عشر أمثالها ، لما كان الأمثال مضافاً إلى مؤنث ، نحو ذهبت بعض أصابعه . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } برفعهما .

وقد ثبت هذا التضعيف في السنة بأحاديث كثيرة ، وهذا التضعيف هو أقلّ ما يستحقه عامل الحسنة . وقد وردت الزيادة على هذا عموماً وخصوصاً ، ففي القرآن كقوله : { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } . وورد في بعض الحسنات ، أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب ، وورد في السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة .

وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير ، فليرجع إليهما .

{ وَمَن جَاء بالسيئة } من الأعمال السيئة { فَلا يُجْزي إِلاَّ مِثْلَهَا } من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة والعظم ، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار ، وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها ، مما ورد تقديره من العقوبات ، كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرّحة بأن من عمل كذا فعليه كذا ، وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب ، فعلينا أن نقول يجازيه الله بمثله ، وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به ، وهذا إن لم يتب ، أما إذا تاب و غلبت حسناته سيئاته ، أو تغمده الله برحمته ، وتفضل عليه بمغفرته ، فلا مجازاة ، وأدلة الكتاب والسنة مصرّحة بهذا تصريحاً لا يبقى بعده ريب لمرتاب ، { وَهُمْ } أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة { لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب حسنات المحسنين ، ولا بزيادة عقوبات المسيئين .

/خ160