الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (160)

قوله تعالى : { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } : إنما ذكَّر العددَ والمعدودُ مذكَّر لأوجه منها : أنَّ الإِضافة لها تأثيرٌ كما تقدَّم غيرَ مرة فاكتسب المذكر من المؤنث التأنيث فأُعطي حكمَ المؤنث من سقوط التاء من عدده ؛ ولذلك يؤنث فعلُه حالةَ إضافتهِ لمؤنث نحو : { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] ، [ وقوله ] :

. . . . . . . . . . . . . . . . *** كما شَرِقت صدرُ القَنَاةِ . . . . .

[ وقوله ] :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تسفَّهت أعاليَها مرُّ الرياح . . .

إلى غير ذلك مما تقدم تحقيقه . ومنها : أن هذا المذكر عبارة عن مؤنث ، فروعي المراد دون اللفظ وعليه قوله :

وإنَّ كلاباً هذه عشرُ أَبْطُنٍ *** وأنت بريء من قبائلها العشرِ

لم يُلْحِق التاء في عدد أبطن وهي مذكرة لأنها عبارة عن مؤنث وهي القبائل فكأنه قيل : وإن كلاباً هذه عشر قبائل ، ومثله قول عمر ابن أبي ربيعة :

وكان مِجَنِّي دونَ مَنْ كنت أتَّقي *** ثلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ

لم يُلحِق التاء في عدد " شخوص " وهي مذكرة لَمَّا كانت عبارة عن النسوة ، وهذا أحسنُ مما قبله للتصريح بالمؤنث في قوله : كاعبان ومعصر ، وهذا كما أنه إذا أريد بلفظ مؤنث معنى مذكر فإنهم ينظرون إلى المراد دون اللفظ فيُلْحقون التاء في عدد المؤنث ، ومنه قول الشاعر :

ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذُوْدٍ *** لقد جار الزمانُ على عِيالي

فألحق التاءَ في عدد " أنفس " وهي مؤنثة لأنها يراد بها ذكور ، ومثله :

{ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً } [ الأعراف : 160 ] في أحد الوجهين وسيأتي إن شاء الله في موضعه .

ومنها : أنه راعى الموصوف المحذوف والتقدير : فله عشرُ حسناتٍ أمثالها ، ثم حذف الموصوف وأقام صفته مُقامَه تاركاً العدد على حاله ، ومثله " مررت بثلاثة نسابات " ألحقت التاء في عدد المؤنث مراعاةً للموصوف المحذوف ، إذ الأصل : بثلاثة رجال نسابات . وقال أبو علي : " اجتمع ههنا أمران كلُّ منهما يوجب التأنيث ، فلمَّا اجتمعا قوي التأنيث ، أحدهما : أن الأمثالَ في المعنى " حسنات " فجاز التأنيثُ كقوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ثلاثُ شخوصٍ كاعبان ومعصر

أراد بالشخوص النساء ، الآخر : أن المضاف إلى المؤنث قد يؤنَّث وإن كان مذكراً كقول من قال : " قُطِعَتْ بعض أصابعه " { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] .

وقرأ يعقوب والحسن وسعيد بن جبير والأعمش وعيسى بن عمر بالتنوين " أمثالُها " بالرفع صفة لعشر أي : فله عشر حسنات أمثال تلك الحسنة ، وهذه القراءة سالمةٌ من تلك التآويل المذكورة في القراءة المشهورة .