الآية 160 وقوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ فيه وجهان :
أحدهما ]{[8001]} : ليس في قوله تعالى : { فلا يجزى إلا مثلها } إيجاب الجزاء في السيئة . وفي قوله تعالى : { فله عشر } إيجاب الجزاء ؛ لأنه قال : فله كذا ، فيه إيجاب الجزاء . [ وإنما إيجاب الجزاء ]{[8002]} في السيئة بقوله تعالى : { من يعمل سوءا يجز به } [ النساء : 123 ] وغيره من الآيات . وقد ذكرنا أن إيجاب الجزاء والثواب في الحسنات والخيرات إفضال وإحسان ؛ لأنه قد سبق من الله تعالى إلى كل أحد من النعم ما يكون منه تلك الخيرات جزاء لما أنعم عليه وشكرا ، ولا جزاء للجازي إلا من جهة الإفضال والإكرام .
وأما جزاء السيئة فمما توجبه الحكمة لما خرج الفعل منه مخرج الكفران لما أنعم عليه ، فيستوجب بالكفران العقوبة والجزاء على ذلك .
والثاني : أنه خرج الفعل منه في الخيرات والحسنات على موافقة خلقته وصورته وتقييمه{[8003]} على ما خلقها الله وأنشأها ، وبناها ، فلم يخرج الفعل به على خلاف ما هو بني عليه ، فلم يستوجب به الجزاء . وأما السيئات فهي إخراجها على خلاف خلقتها وتقويمها وصرفها على غير الوجه الذي كانت خلقتها وتقويمها ، فاستوجب بذلك العقوبة والجزاء عليها لقوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } /167-أ [ الذاريات : 56 ] .
وقوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ليس على التحديد حتى لا يزاد عليه ، ولا ينقص منه ، إنما خرج ، والله أعلم ، على التعظيم لذلك والإجلال ؛ لأنه أخبر في النفقة التي تنفق في سبيل الله أنها تزداد ، وتنمو ، إلى سبع مئة ، ولا يجوز أن يكون له في الحسنة التي جاء بها في التوحيد تبلغ إلى ما ذكر ، وإذا جاء بنفس ذلك [ في ]{[8004]} التوحيد لا تبلغ ذلك . أو تقصر عن ذلك . ولكنها ، والله أعلم ، على التعظيم له أو على التمثيل كقوله تعالى : { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } [ الحديد : 21 ] ذكر هذا لما لا شيء عند الخلق أوسع منهما وكقوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض } [ مريم : 90 ] ومثله غيره على التمثيل خرج لعظيم ما قالوا في الله ، ليس أنها تنشق ، أو تتفطر . فعلى ذلك الأول أنه يخرج لما ذكرنا لا على التحديد له والوقت .
ثم قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله } كذا { ومن جاء بالسيئة فلا } كذا . ذكر مجيء الحسنة ومجيء السيئة ، ولم يقل : من عمل بالحسنة فله كذا ، ومن عمل بالسيئة [ فله كذا ]{[8005]} ليعلم أن النظر إلى ما ختم به ، وقبض عليه ؛ فكأنه قال : من ختم بالحسنة ، وقبض عليها ، فله كذا ؛ لأنه قد{[8006]} يعمل الحسنة ، ثم يفسدها ، وينقضها بارتكاب ما [ ينقضها ، ويفسدها ]{[8007]} من الشرك وغيره ، وعلى ما روي : ( الأعمال بالخواتيم ) [ البخاري : 6493 و 6607 ] .
ثم اختلف في قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } قال بعضهم : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } بعد التوحيد { ومن جاء بالسيئة } بعد التوحيد { فلا يجزى إلا مثلها } .
وقال بعض أهل التأويل { من جاء بالحسنة } يعني بالتوحيد { فله عشر أمثالها } لكنه ليس على التحديد لما ذكرنا ، ولكن على التعظيم والقدر عند الله أو على التمثيل { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } .
لكن التخليد في النار مثل الشرك ؛ لأن الشرك أعظم السيئات . وفي الآية دلالة أن المثل قد يكو من غير نوعه حين{[8008]} اوجب في الحسنة من الثواب عشر أمثالها وفي السيئة مثلها . وليس أحد منها من نوع الأصل والعمل الذي يثاب عليه . وقيل : { من جاء بالحسنة } في الآخرة بالتوحيد { فله عشر أمثالها } في الأضعاف { ومن جاء بالسيئة } في الآخرة ؛ يعني الشرك { فلا يجزى إلا مثلها } في العظم . فجزاء الشرك النار ؛ لأن الشرك أعظم الذنوب ، والنار أعظم العقوبة ، وذلك كقوله تعالى : { جزاء وفاقا } [ النبإ : 26 ] .
وقوله تعالى : { وهم لا يظلمون } جميعا ؛ لا يزاد على المثل ، ولا ينقص مما ذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.